التحدي الثقافي وتبــدد الأوهام

انتهت بطولة العالم التاريخية لكرة القــدم 2022 في قطــر ولم تنته تداعيات تلك المعجزة التنظيمية لتلك الملحمة الكروية على مستوى العالم. فدولة قطر وبفضل الله ثم بفضل قيادتها الحكيمة وجميع من ساهموا في إنجاح هذا العُرس الكروي، والذي أبهــر العالم، حملت معه رسائل ثقافية لا حصر لها. إن الشجاعة العظيمة لدى القيادة القطرية في تولي مهمــة تنظيم هذه البطولة العالمية يثبــت للعالم أنه ليس هناك شيء مستحيل في عالم اليوم إذا كنــا نملك الإرادة والعزيمة والأهم نتحلى بثقــافة التحدي. الحــدث الرياضي لبطولة كأس العالم 2022 في دولة قطر وما صاحبهُ من فعاليات وما قدمته قطر لضيوفها المشجعين من معظم دول العالم لا يمكن وصفــه وتحليله في هذه الاسطر القليلة، إنما الجمهور الخليجي والعربي والأجنبي ومعظم القنوات الفضائية العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي تولت تلك المهمة. من الناحية العلمية نتحدث دوماً عن حوار الحضارات وصراع الحضارات وسقوط الحضارات بالإضافة إلى مفهوم الثقافة الذي هو ركن اساسي في مفهوم الحضارة. ونتحدث كثيرا عن الثقافة بمعناها الواسع، إنما هي باختصار تعني السلوك الإنساني في هذه الحياة؛ ولكن قلمــا نتحدث عن مفهوم التحدي الثقافي. لقد دخلت قطر حلبة التحدي الثقافي أمام كافة الخصوم بكل ثقة وعزم وتصميم متجاهلة جميع الصعوبات التي واجهتها طوال السنوات الماضية. وبدون مواربة فقــد أعطت قطــر دروساً لمن ظــنَ أنها غير قادرة على تنظيم بطولة دولية وبمعاييرعالمية لم يسبقها أحـدُ في ذلك. لقــد صنعت قطــر مجداً ثقافيا عبـــرَ جميع القارات، حيث ترجمت في هذا الكرنفال العظيم ثقافتها العربية والإسلامية بكل الوسائل المتاحة إلى شعوب العالم، فكانت خيرُ مثال للتســامح الديني وطيب الأرومــة والأخلاق والانفتــاح على ثقافة الآخــر دون أن تُمس ثوابتها القومية أو الإسلامية. لقــد تبــددت كثير من الأوهــام حول استحالة تنظيم هذا الاحتفال العالمي. فهؤلاء الذين توهمــوا في عدم قدرة قطر على فعل ما فعلته، لم يدركوا أن قبول قطــر هذا التحدي لم يأت من فراغ، بل أتــى من عقول فاهمــة ومدركة وواعية تمــاماً للمكاســب التي ستجنيها من هذا التحدي سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. فأول المكاسب هو أن قطر وباسم العرب جميعاً استطاعت أن تكســر حاجز الوهم بعــدم قدرة العرب على خوض تلك التجربة؛ وأعظم مكسب هو أن قطر أوصلت رسالة قوية للعالم أننــا كشعوب عربية ما زلنا نعتز بديننــا وبثقافتنا وحضارتنا وقيمنا وتقاليدنا وخاصة تلك المبادرة الجميلة جداً من أمير البلاد الشيخ تميم بن حمــد آل ثاني في إلباس اللاعب الارجنتيني ميسي البشت أثناء التتويج بالفوز للارجنتين. لقد كان استخدامنا لأعلى ما وصلت إليه قمة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إخراج هذه البطولة على أحسن وجه وبأعلى درجات الدقة في التصوير والتنظيم دليــلُ على قدرتنا الفائقة في التفوق والإدراك والإبداع. إن قــدرة دولة قطر في خوض معركة التحدي الثقافي تجلـــى في أجمل صورة معبرة عن طريق إبراز معالمها الحضارية ومنشآتها الرياضية الجميلة والتي اذهلت القريب والبعيد. فهنيئاً للقيادة القطرية الراشدة وهننيئاً للشعب القطري وللعرب أجمع لتلك الملحمة التاريخية التي ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال القادمة.