10 سبتمبر 2025

تسجيل

المسافة صفر بين عنترة ومقاومة غزة

05 ديسمبر 2023

بسبب الأحداث الدامية التي يمــر بها أهلنا في غــزة منــذ قرابة الشهرين ارتفعت درجة الوعي لدى كثير من الشعوب العربية والإسلامية والغربية عن فــداحة العنجهيــة الإسرائيلية؛ وبالمقابل، أحدثت تلك الحرب المسعورة عن تحرك الضمائر الإنسانية عن استنكار وشجب ومظاهرات لم يسبق لها مثيل في ظل الصراع العربي الإسرائيلي خلال العقود الماضية. لقــد رصدت لنا الكثير من وسائل الإعلام الفضائية وعبر الوسائط الإلكترونية بالصوت والصورة عن تلك الأحداث ما لم نتصوره يوماً من الأيام أننــا سنرى ما يجري على الأرض. وبهذا الصدد فإن قناة الجزيرة تستحق وسام الشرف الإعلامي لهــذه المهمة. لقــد علق الكثير من المحللين السياسيين والإستراتيجيين والعسكريين على تلك الأحداث المفجعة، وعن صمود أسود المقاومة؛ حتى القنوات الغربية تغيرت لهجتها عن تحليل المواجهة العسكرية، حيث كانت في البداية منحازة للصف الإسرائيلي، ثم بدأت تراجع نفسها في مدى مصداقية العدو الإسرائيلي في نقل الأخبار والفيديوهات المفبركة وغيرها. لقد شاهد العالم أسطورة الشعب الغزاوي في صموده وصبــره وإيمانه أمام تلك الوحشية في قتل الأبرياء وهدم كل ما هو قائم على الأرض من مستشفيات ومساجد وكنائس وبيوت وبنايات وغيرها. فقراءة هذا المشهد المؤلم وصمــود وتحدي واستبسال المقاومة، وأن المسافة صفر أمام العدو، ذكرني بموقف للشاعر عنترة بن شداد العبسي، حينما كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة، يهدد قبيلة عبس، حيث أرسل عنترة أبياتا من الشعر إليه وكأنها تحاكي موقف أهل غزة أمام تلك الشراسة البربرية للعدو. يقول عنترة مخاطبا النعمان بن المنذر: إن كنت تعلمُ يا نعمانُ أن يــدي / قصيرةُ عنك فالأيام تنقلبُ إن الأفاعي وإن لانــت ملامسها / عند التقلب في أنيابها العطبُ وهناك مخزون من الشعر العربي الذي يعبر ويرفع من معنويات هــؤلاء الأبطال الأشاوس، كبيت آخــر لعنترة: لا تسقني كأس الحياة بذلة / بل اسقني بالعز كأس الحنظل لا شك، ولا مندوحة من القول، أن درجة الإيمان والتحمل والصبر في قلوب أهل غزة قــد جعلهم محط أنظار كثير من الغربيين، لدرجة أننــا قرأنــا أن هناك من أعتنق الإسلام بسبب هذه الشجاعة العظيمة لأهل غزة؛ فهم شاهدوا الآباء والأمهات وهم يمسحون أيديهم على رؤوس شهدائهم، ويرددون: الحمد لله الحمد لله. لقد أيقظت تلك المشاهد الدامية في نفوس الكثير عدالة القضية الفلسطينية، وأن الحــق لا يضيع بتقادم الزمن. لم يعــد هناك من يتشـدق بحقوق الإنسان والحرية لدى الغرب في ظل ما يجري من مآس؛ لأن قادة حقوق الإنسان والديمقراطية تحولوا إلى خصوم لمبادئهــم. وأمام هذه التحديات، يظل المقاوم الفلسطيني يثبت للعالم عدالة إنسانيته وسماحة الإسلام، خاصة في موقف تبادل الرهائن من النساء والأطفال، حيث أحرجت تلك المشاهد الكثير ممــن كانوا يتهمون المقاومة بأوصاف لا تُذكر في هذا المقام. لقد رأينا تعاطف الشعوب العربية والإسلامية وحتى بعض الأصوات الغربية في مساندة أهل غــزة من خلال مقاطعة منتجات كل من يدعم الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر. وأخيراً، متى يستفيق الغرب من تعصبه الأعمى للمحتل؛ حتى تعيش المنطقة بسلام وآمــان؛ ومتى يستيقظ الإنسان في ذاتك ؟ كما قال نزار قباني.