14 سبتمبر 2025

تسجيل

لكي نستشعر الفرحة الحقيقية للعيد

30 يوليو 2014

للعيد في أبعاده الدينية والاجتماعية والإنسانية عناوين كثيرة، منها السلام والفرح والتكافل، وصلة الأرحام والتسامح والتزاور، وتجديد أواصر الحبّ ودواعي القرب، والإحساس بمعاناة الفقراء وأصحاب الحاجة. مقارنة بالعام الماضي.. يحلّ العيد هذا العام بالأمة والجرح النازف من جسد الأمة يتسع والوجع الممضّ يتعاظم.. فقد انضمّ للألم السوري الراعف منذ نحو أربع سنوات تقريبا، ألمان آخران في غزة بفلسطين والعراق. وبناء على ذلك فإن كثيرا من المعاني المرتبطة بالعيد، لن يكون بمقدورنا كبشرٍ أن نحس بها، أو نطيق استشعارها، شئنا أم أبينا، فكيف لمن يدفن جثث الشهداء في غزة أن يشعر بالفرح، وكيف للطفل المذعور من القصف، أو الذي أضحى يتيماً بسبب فقد والده أن يبتسم أو يلهو بمراجيح العيد وألعابه، وكيف لنا أن نتذوق السلام في أجواء انعدام الأمن والأمان، وكراهية وحوش المحتلين والمستبدين، وهم يسومون الآمنين من المدنيين العزل سوء القصف والتدمير. العيد لدى كثير من أهل غزة والشام والعراق هو قهوة سادة وتمر، أي ما يقدم في بيوت عزاء الشهداء، أو دموع امرأة ثكلى لفقد ولدها أو زوجها، أو حزن مكتوم وذهول وصدمة لتدمير مأوى يلم شعث الأسر، والانتقال منه إلى تيه التشرد والنزوح.. وبالتالي قد يكون العيد في هذه الحالة مناسبة لاستحضار الذكريات المؤلمة لأحبةٍ فقدناهم أو أقارب ودّعناهم، أو مشاهد غابت عنا بسبب الظروف التي نعيش بها، بل ربما لا يحتاج الموضوع للذكريات، مع تواصل أصوات قذائف المدافع وأزيز الطائرات وبراميلها المتفجرة، وتجدد مشاهد الموت والدمار والصور الصادمة التي لا تكفّ عن التوقف، كأننا في فيلم تراجيدي يتواصل عرضه مرة تلو أخرى. طوفوا في رحاب الشام وما حولها، وغزة وحزامها، وبغداد والموصل وما يحيط بهما.. ستجدون للحزن والألم مليون عنوان، ومليون قصة معاناة ، تنطق بها المآقي قبل الألسن.. ولعلّ لغة الأرقام هي ما سيكشف عن مرارة هذه القصص، إحصائيات النازحين واللاجئين، إحصائيات الشهداء والمعتقلين، إحصائيات الجرحى والمعوقين، إحصاءات الأيتام وعمالة الأطفال والمتسربين من المدارس، وغيرها كثير.لكن رغم كل ذلك فإن على أبناء الأمة خصوصا مَن عافاهم الله واجباً كبيرا، لكي يحققوا الكثير من معاني العيد في أوساط من حرموا منها بسبب ظروف الحرب وانعدام الأمن والظروف الاستثنائية، وهذا الواجب يندرج في إطار مسؤولية التكافل والتوادّ والتراحم بين المسلمين، باعتبارهم جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، كما يندرج في إطار شكر الله على النعم التي حباهم بها، وجنّبهم الكثير مما ابتلى به إخوانهم. ثمة أفكار كثيرة يمكن القيام بها خلال أيام العيد وما بعدها، وحثّ أسرنا وأبنائنا ومن حولنا على القيام بها لعل أهمها:- التواصل مع المنكوبين ومعايدتهم ومواساتهم والاطمئنان عليهم وعلى أوضاعهم وتقوية عزائمهم، وحسنا فعلت شركة الاتصال "أوريدو" بقطر منذ بدء العدوان على غزة، حينما جعلت الاتصال بغزة مجانيا، حتى نهاية هذا الشهر الحالي ( يوليو)، وهو ما من شأنه الإسهام في تجسيد هذه الفكرة وتسهيل القيام بها. قال لي صديق إن زوجته تواصلت مع سيدة بغزة فقالت إنها أجهشت بالبكاء لأن هناك من سأل عنها من قطر. ـ توفير كسوة وألعاب العيد للأطفال.. فالأطفال الصغار ينبغي أن يشعروا بفرحة العيد رغم غصص الألم، وينبغي علينا وعلى أسرهم توفير هذه الأجواء بقدر المستطاع، ولعلّ من أجلّ الأعمال الصالحة إدخال السرور على قلوب المسلمين والموحدين، كما ورد في الأحاديث النبوية. ـ التفكير بمواضيع أكثر استدامة وتأثيرا، منها كفالة الأيتام وطلبة العلم الفقراء والتكفل بعلاج المرضى والجرحى، وإعادة تدمير البيوت المهدَّمة، فمعلوم أن الحروب تترك آثارا بشعة على السكان، سواء المقيمين أو النازحين أو اللاجئين، وكثيرون يحول ضيق ذات يدهم على إمكانية العيش بكرامة، أو يحول بينهم وبين تدريس أبنائهم أو علاج أبنائهم وأهليهم، أو يدفع بهم إلى تشغيل أبنائهم في سن مبكرة وغير ذلك.. ومن هنا فإن التفكير ببعض هذه الأعمال، كلٌ قدر استطاعته فيه خير وبركة في الدنيا، وأجر عظيم في الآخرة. ولعل من المهمّ هنا التأكيد على أمرين اثنين، الأول الاهتمام بالدعم المعنوي والنفسي، إلى جانب الدعم المادي، فإضافة للكفالة المالية الخاصة بالأيتام وطلبة العلم والأسر المحتاجة والتكفل بعلاج الجرحى والمرضى، فإن التواصل والسؤال عن أحوال المكفولين يترك أثرا إيجابيا لا يقلّ عن الدعم المادي، والأمر الآخر، هو تعويد الأطفال والناشئة والشباب على ممارسة هذه الأفعال الخيرية، وتنشئتهم على ذلك، وعمل توأمة بين أطفال أسرنا وأطفال أسر من نكفلهم، وتشجيع التواصل بين أبنائنا وأبنائهم وبناتنا وبناتهم، لكي يشعر أبناؤنا أن لهم إخوة لم تلدهم أمهاتهم.هكذا ينبغي أن نستشعر فرحة العيد الذي يحلّ بين ظهرانينا، وهكذا ينبغي أن نربّي أولادنا وأهلينا على ذلك، أما فرحة العيد الحقيقية فلن تتحقق لنا إلا باسترجاع الأراضي والحقوق المسلوبة من الغاصب المحتل والظالم الجائر، وتوفير الحياة الكريمة والكرامة والرفعة لهذه الأمة وأوطانها وأبنائها.