03 نوفمبر 2025
تسجيلكل مفقود عسى أن تسترجعه إلا الوقت، فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل ولذلك كان الوقت أنفس ما يملكه الإنسان حتى قيل إن الوقت هو الحياة، فعلى الإنسان العاقل أن يعرف قيمة زمانه والعمل على الاستفادة منه فيما يعود عليه بخيري الدنيا والآخرة، فإذا كان قد فرط فيما مضى من أيامه فعليه أن يستقبل أيامه الباقية استقبال الحريص للثروة ذات القيمة العالية ولا يفرض لا في قليلها ولا كثيرها وعليه أن يجتهد أن يضع كل شيء مهما قل موضعه اللائق به عندما يحس أحدنا أنه موجود في هذا الكون ثم ينظر وراءه وأمامه من الأيام والأعوام فإذا هي وكأنها يوم واحد متلاحق الأحداث ثم ينظر فإذا به لم يخلق عبثاً (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون)، وإذا به وقد استشعر موقفه وموقعه يوم القيامة يوم "لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن شبابه فيم أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه"، وهو مستعد للمساءلة حينما يوقف للحساب (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم...) (يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشراً، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقةً إن لبثتم إلا يوما) بأن هذا الإحساس هو إحساس صادق إذا قيست أيام الدنيا بأيام الآخرة، لأن أيام الدنيا بالنسبة لأيام الآخرة ما هي إلا ساعة من نهار، إلا أن هذا الإحساس إحساس مضلل لمن مرت به الأيام والليالي وعقارب الساعة تهدم جدار الزمن وهو يتابع ذلك في ذهول وغفلة. ظل يعبث ويسترسل في عبثه حتى أدركه ظلام الموت وظلمة القبر، وعندما تيقظ وهيهات لقد سار ركب الصالحين وبقي المسوفون في محطة القطار بلا أمل. تقول زوجة حبيب: يا أبا محمد قم للصلاة فإن ركب الصالحين قد سار. إن شأن الناس في هذه الدنيا غريب، كم من حبيب فقدوه وكم من عزيز في قعر الأرض غيبوه وهم لاهون والقدر يسوق الناس إلى حتفهم، إنهم ينسون أن كل ذرة من أعمالهم محسوبة (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)، إن ميزان الذر منصوب للجميع، فلا أنساب ولا صديق ولا تنفع شفاعة الشافعين (فما لهم عن التذكرة معرضين). (يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد). الإسلام دين يعرف الوقت وقيمته ويقدر خطورة الزمن وقد قال سلفنا الصالح: (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، ويجعل من علامات الإيمان وأمارات التقوى أن يعي المسلم هذه الحقيقة ويسير على هداها، يقول الله عز وجل: (إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون). إن المسلم الحق يغالي في الحفاظ على الوقت مغالاة شديدة، لأن الوقت عنده هو عمره الذاهب والباقي، فإذا سمح بضياعه فهو ينتحر بهذا المسلك الشائن ولذلك أنه يعتبر الذاهلين من ماضيهم الغارقين في حاضرهم المسحورين ببريق الدار العاجلة قوماً خاسرين (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة)، (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون). انظر إلى مرارة الحسرات على التفريق، لأن حلاوة اللذات تحولت حنظلاً فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم. وكيف تنام العين وهي قريرة ولم تدر في أي المحلين تنزل. إن المقرر في الشريعة أن جبريل عليه السلام نزل بأمر الله ليرسم أولئك الأوقات وأواخرها ليكون من ذلك نظام الحياة نظاما محكما دقيقا يرتب الحياة للمسلم ويقيسها بالدقائق من مطلع الفجر على مغيب الشفق (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون). فالليل يعقب النهار ويخلفه النهار مع حركات الأفلاك الدائرة، ورب العالمين لم يخلق ذلك عبثاً، إنه الميدان الذي أعد للسباق الذي لا يتقدم فيه إلا من يعرف ربه ويذكر حقه ويشكر نعمته. إن عمرك رأس مالك الضخم ولسوف تسأل عن إنفاقه وتصرفك فيه. قال الإمام البصري: ما من يوم ينشف فجره إلا نادى مناد من قبل الحق سبحانه: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة. إن من محافظة الإسلام على الوقت حثه على التبكير ورغبته في أن يبدأ المسلم أعمال يومه نشيطاً طيب النفس مكتمل العزم جاعلاً ابتداء يومه من الفجر ذاكراً فالق الإصباح جاعل الليل سكناً والنهار حسبانا متوكلاً" بسم الله توكلت على الله اللهم إني أعوذ بك أن أذل أو أذل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي"، ولقد مر النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة فاطمة رضي الله عنها وهي مضطجعة صباحاً فحركها برجله ثم قال: "يا بنية قومي اشهدي رزق ربك ولا تكوني من الغافلين فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس"، إن العمر قصير والحاضر الذي يحيا الإنسان في نطاقه ضيق وإن الزمن آية من آيات الله. (وله اختلاف الليل والنهار فاغتنم خمساً قبل خمس....). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.