02 نوفمبر 2025

تسجيل

صدق النية وسلامة الطريق

15 يوليو 2015

التعريف بالآخرة حق وهو شيء آخر غير التجهيل في الدنيا لأن نفراً من المتحدثين في دين الله لا يحسنون الحديث عنه لأن ذلك شرف لا يناله إلا الصادقون وبذلك يسيئون أكثر مما يحسنون، ويفسدون أكثر مما يصلحون (والله لا يحب الفساد) ولا يحب المفسدين لأن خلوص النيات في الأعمال والأقوال لا تكفي إذ لابد لكل عمل أو قول من أن يكون مخلصاً وصحيحاً ولأن من تحدث عن الدنيا ومستقبله فيها وضرورة الإعداد له لا يعني ذلك بداهة أنه هجر دينه وأعرض عن آخرته، فإذا ما جاء من يجيد الحديث عن الآخرة وتحدث كذلك عن مستقبله فيها لا يعني ذلك عدم اهتمامه أو لفت نفسه أو غيره عن حاضره وبعبارة أصح لكي يكون عملا صحيحا ثم يقدر له القبول لابد له من توفر صدق النية وسلامة الطريق والمقصود بسلامة الطريق صحته والمراد من الصحة أن يكون العمل وفق العقل الموافق والمواطي وللنقل فلو أن امرءاً صام عن الكلام مدعياً وروده في القرآن على لسان الصالحين ممن سبقنا ولم يصم عن الطعام والشراب لم يقبل منه صومه، كما أنه لو صلى من غير ركوع أو سجود لم تقبل منه صلاته إذاً فلابد من موافقة الشرع فيما بيّن كما أنه لابد من موافقة العقل فيما أوكل إليه فلا يقبل جهاد بعصا في مواجهة الدبابة مثلاً.لكن الكثير ممن لديهم العاطفة المتوقدة والنية الصادقة لا يعون هذه الحقيقة يسيئون في الوقت الذي يريدون فيه الإحسان مما يترك في النفوس انطباعاً بأن الدين لا يحسن السباحة في بحر الدنيا لأن الفهم الذي يبلغونه إلى الناس: أن أحداً لا يبلغ حقيقة التقوى ورقيّ سلم الآخرة إلا إذا عاش وهو يعاني كآبة المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال، وإلا إذا عاش وهو في حالة كاف- أي كاف نفسه –ويعني: لا له ولا عليه جاهل بحقائق الحياة وقوانين المادة وسنن الله في كونه، ومن هذا الفهم نشأت أجيال من المسلمين لا تفقه دينا ولا تملك دنيا "ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين".إن الحديث العاطفي عن الآخرة وبث الأشواق في النفوس إليها لا يعني أننا ندع ما لقيصر لقيصر لأن رسالتنا في هذه الدنيا هي الخلافة في الأرض وعمارتها، وإكثار القرآن الكريم والسنة النبوية بالإسهاب عن الآخرة جنة وناراً إنما يعني بذلك إخراج الإنسان من شجونه الأرضية التي احتبس بداخلها وجعلها شغله الشاغل، وفتح بصيرته على الأفق الأوسع والأرحب والحياة الأدوم والخلود الذي لا موت بعده.أما القصور في الفهم لسنن الله في الحياة الدنيا والعيش غريباً على سطح هذه الأرض والعجز عن امتلاك زمام الحياة والأخذ بسنن الله ومنهجه في الحياة فهذا كله لا يدل على تقوى من الله فحسب بل يدل على طفولة في التفكير يضارَّ بها صاحبها هذا الدين وتنهزم بها تعاليمه وتغيب جحافل عدله.ألم يمكن الله لنا في الأرض؟ ألم يجعلها لنا ذلولاً ويسخرها لنا لنركبها ونبلغ بها إلى غاياتها؟ ألم يخلق لنا البحر ويسخره لنا لنخرج منه أثمن ما في هذه الدنيا من درر ونأكل منه أطيب ما فيه لحماً طريقاً فلماذا ارتخت مفاصلنا ولم يكن لدينا العزم على الثبات فإذا إنساننا طريح الثرى والعجز؟ مع اشتداد عزم الآخرين وثباتهم، حتى قيل وقد رأيت ذلك بنفسي إن دولة عربية تقع على البحر، المحيط، فيقذف المحيط من اللحم الطري على شواطئه مما لا يحتاج معه إلا أخذه وأكله لكنه يترك على شواطئه حتى يتعفن وتشبع منه طيور النورس ثم بعد ذلك تذكرت الحكومة الوطنية الديمقراطية بإعطاء حق صيده لدولة أوروبية بسعر تراب صحاري العرب التي يضل فيها الذئب. ولم تكلف تلك الحكومة الوطنية الساهرة على مصالح شعبها أن تجنيه ولو من الشواطئ بأن تجد فرص عمل للناس من أهل البلد بذلك وإطعام مئات الأسر التي تجد هذه الدولة من الدول الفقيرة.نعم هناك تنافس مجنون على جمع حطام الدنيا شغل أصحابه عن الوظيفة الأساسية الصحيحة التي وجد من أجلها وأن ذلك لاشك مذموم يقيناً لأنه عبادة للدنيا وذهول عما وراءها.إن التعريف بالآخرة دار الإنسان الثانية لا يعد ذلك تجهيلاً لأمر الدنيا ولا صرفاً عنها كما يصوره من يحب لمز الإسلام بل ربما أوجب علي وعليك الإسلام أن يكون لك مال قارون شريطة أن لا يكون لك كبره أو شحه أو فساده وقساوة قلبه.إن التحذلق ولوك الكلام والسخرية من عباد الله ومعتقداتهم لا تقيم دولة ولا تبني صروح المعرفة وإنما يبني وينشئ ذلك كله مال قال به صاحبه هكذا وهكذا وسلطة على هلكته في الحق في مصالح الدنيا والآخرة.إن سعة لا تطغي ودنيا يسخرها مالكها لخدمة الخير ومصالح العباد هي السعة المطلوبة (يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار).وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين