14 سبتمبر 2025

تسجيل

حب المغامرة

13 يوليو 2015

نحن نعلم أن القوة البدنية نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان كي يمكِّنه ذلك من أداء وبلوغ أهدافه، إن الله رصد للشباب من عمر الإنسان حساباً خاصاً دون فترة الشيخوخة ودون فترة الصبا أو المراهقة لأن فترة الشباب تعتبر من أعمر الفترات بالقوة والحيوية والخيال المتدفق وأغناها بالطاقات الأدبية والمادية هذه الخواص جعلت لها مكانة خاصة.كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف بأنه يحف بالشباب الزهو المتفتح الذين وهبوا الله أعمارهم وكرسوا له قواهم، لذلك حرص أولو النهى أن تشيع في الأمة أخلاق الرجولة وتقاليد الخشونة، اخشوشنوا فإن الترف يزيل النعم، وأن يتعلموا أخذ الحياة من جوانبها الجادة ونواحيها الصارمة، كما اجتهدوا أن يزيلوا من المجتمعات المسلمة مظاهر الاسترخاء والتخنث وأن يمنعوا استرسال النفوس مع أسباب اللهو والعبث.إن شباب الأمة يتجدد ما بقيت تحترم العمل وتكره التراخي والكسل، تتحمل التعب وتتجافى عن المعاصي، وتعاف اللهاث وراء المتع ولو كانت من الحلال، فكيف إذا جاءت من حرام؟إن الأمة التي تألف قرب المتع من سياسة الصرامة والجدية إذا شرع لها قانون، أمة لا تستحق حياة الكرامة ولن تجد لها بين ذوي العزة والشهامة مكاناً.إن الشباب الذين تستهويهم الشهوة ولا يملكون من الإرادة ما يوقفها، ولا تستهويهم أحاديث المجد والكرامة، شباب لا خير فيهم ولا تعويل عليهم.لقد كان من خلق العرب- في جاهليتهم- أن يطووا بطونهم ويكظموا على رغباتهم إذا واجهوا عدواً أو خاضوا غمار حرب ومن ثم يقول شاعرهم:قوم إذا حاربوا شدوا مأزرهمعن النساء ولو باتت بأطهارفكيف نرتضي لأنفسنا والأعداء محدقون بنا من كل جانب أن نشبع من الكماليات ونستكثر من المرفهات، وترتفع أصواتنا لفقدان ما لا يخل بسير حياتنا مما لا قيمة له بل لا بأس علينا حتى لو صمنا عنه وتركناه إلى الأبد؟فياليت شعري كيف يطيب لنا مطعم أو تهنأ الأيام وأكباد الجوعى والمشردين من أهل جلدتنا وملتنا لا يجدون ضرورات الحياة وصوت الباطل يحاول إسكات كل صوت يخالفه ولو كانت أجساداً عارية أو بطونا خاوية، وصريخ الأحرار يذهب في الفضاء ولا مجيب.أحاط بمحمد النبي صلى الله عليه وسلم شباب وهبوا أعمارهم لنصرة الحق واستطاعوا أن يكونوا طلائع فجر الرسالة الذي طلع على الدنيا بحضارة الإسلام فأغناها من جوع وآمنها من خوف.إن شباباً في أعمارهم نضارة وفي سنهم بكورة وفي عزمهم طموح هم الذين بذلوا جهوداً مضنية في ترويض نفوسهم ومن تأديب الباطل وقمع غروره وإعلان مبادئ الحق والعدل ورفع رايته لقد غدر الروم بسفير رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حمل رسالة النبي إليهم في الشام ، والأعراف الدولية بين أهل التوحيد والشرك إن السفراء لا يقتلون فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم من يسترد كرامة الإسلام ودولته، ولما كانت دولة الإسلام وليدة بقيادة ثلة من الشباب.وهم زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة، كانوا شباباً في الثلاثين من أعمارهم، قاتل زيد حتى تلاشى في رماح الرومان، وحمل الراية بعده جعفر فقاتل قتالاً مريراً حتى قطعت أطرافه على التوالي فاحتضن الراية بصدره وعضديه حتى لقي ربه، وكان شاباً ورجلاً فيه كبرياء الإيمان واعتزاز أهل اليقين وكان ينشد وهو يزحف نحو جمع الروم:يا حبذا الجنة واقترابهاطيبة وبارد شرابهاوالروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابهاعليّ إذ لاقيتها ضرابهاوالروم يومئذ كانوا هم الدولة الأولى في العالم إلا أن جعفر وإخوانه كانوا يعلمون أنهم لا يقاتلون الروم أو غيرهم بعُدة أو عدد وإنما يقاتلونهم بعقيدة ودين لذلك قاتلوا الروم وغيرهم من أهل الشرك احتقاراً للشرك واحتقاراً للوثنية واحتقاراً للظلم والظالمين وسلم جعفر الراية أو استلمها منه عبدالله بن رواحة فالتحقق بأخويه حيث قاتل حتى قتل.بهؤلاء الشباب- الرجال العظماء- مضى الإيمان في طريقه صعداً، لم يتوقف، كان الرجال الشباب الكبار في هذا الدين يعلمون أن مكانتهم عند الله بمقدار ما يقدمون لهذا الدين، شباب زانه الإيمان، زانته المغامرة في سبيل الله زانته المقاومة للضلال والرفض للشرك السائد المستبد.أريد أن أقول لكل شاب مسلم رسِّخ قدمك في الأرض وأمض حيث تؤمر في طريقك طالباً وجه ربك ناشداً ثوابه منتظراً عونه وتوفيقه وأن حاربتك الدنيا كلها، أملأ حياتك بالجديد الذي لابد منه كن رجلاً أثبت مكانك كن قوي الشخصية ولا تكن إمعة تمشي خلف كل ناعق اشتر منزلتك مع السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (شاب نشأ في طاعة الله) وتعاون مع من يجد في نفسه القدرة على السير معك وكونا (رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) لتنافسوا الإمام العادل الذي سبق إلى ظل العرش.تعاونوا على البر والتقوى املأوا الفراغ بصنوف الشواغل الرفيعة الدافعة التي يتبدد فيها لهب الغرائز أقيموا المعسكرات الشبابية المؤمنة التي يسمع فيها الآذان خمس مرات في اليوم ونصفُّ فيها المناكب والأقدام وتعفر فيها الجباه للواحد الديان، وأن يتسابق أهل الفلاح من الدعاة وأصحاب اليسار من شد أزرهم وتنمية قوى الخير فيهم ليكونوا شبابا يحسنون خدمة دينهم ودنياهم، ويعرفوا فضل الله عليهم ثم فضل الأوطان التي تكلؤهم.إن الجيل الجديد المدلل الذي نشهده الآن ويسعى (الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيماً) يتبعون أهواءهم لا يصلحون لدين ولا لدنيا يجعلون أهواءهم قانونا ومشتهياتهم تقاليد أن الذين تخرجوا من الكتاتيب على أيدي المطاوعة أشرف نفوسا وأنبل طباعا وألين عريكة وآمن على المصالح العامة والخاصة، كانت عصا الفقيه أو المطوع الجاد المؤمن أجدى وأنبل من تدليل هؤلاء الذين مسختهم الأفكار المنحرفة فركضا إلى الله بغير زاد إلا التقي وعمل المعاد فالعقيدة العقيدة فما دامت الأفئدة، خواء من العقيدة فإن النفوس التي تألف الذل والهوان قد ماتت فضائلهم.. وعاش قوم وهم في الناس أموات.وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين