18 سبتمبر 2025

تسجيل

الحقد يورث القلق

30 يونيو 2011

لا شك أن الحقد من الأمراض المستعصية التي تستوطن القلوب وتجثم على الصدور لتنتشر سمومها وتسري في الشرايين في إقصاء لكل البوادر الطيبة التي تدعو إلى حسن الخلق وتنحية للحيز الإيجابي المتناغم مع الطبيعة البشرية والتعامل الإنساني اللائق ومن المعلوم أن وظيفة الفلتر هي تصفية الشيء وتنقيته من الشوائب العالقة والتي تضر المركبة أو المُعدة. ومهمة هذا الفلتر حساسة ودقيقة وضرورية أيضا وقد يتسبب عدم أداء دوره بالشكل المطلوب إلى تدمير المركبة أو المعدة جراء ما يعلق فيها من شوائب تعيق الحركة الانسيابية لبقية المحركات، وإن جاز لي أن أشبه الفلتر في الإنسان فإنه القلب، فحينما تسمع من شخص ما يسيئك فإن أول ما يكون في استقبال هذه الإساءة بطبيعة الحال العقل، ليحيلها بدوره إلى الشعور، وهنا يكمن دور القلب ليقوم بتصفية وتنقية هذا الشعور وتطويع ما بلغك وتجييره حتى وإن كانت إساءة إلى مكسب، أما كيف؟ فإنه يتمثل في رفض ذاتك الانصياع إلى رد الفعل المضاد بإيعاز من القلب بأن لا يكون الجزاء من جنس العمل بقدر ما يكون لصفاء النية وبُعد النظر دور فاعل في تحقيق التوازن وجلب المصلحة وعدم التفريط فيها يعزز من ذلك عمق الإيمان، في حين أن ذاتك المتوقدة نبلا قد أسهمت في زيادة رصيدك من فعل حسن. فمتى ما أدى القلب دوره بإتقان وقام بتصفية وتنقية هذا الشعور ليلفظ الشوائب خارجا غير عابئ بها عطفا على صفاء القلب ونقاء السريرة فإن ذلك من الحكمة بمكان ليتبلور ما أصابك إلى حسنات تضاف إلى ميزان عملك، وتُسهم في إثقال ميزانك عدا عن أن العفو والصفح من شيم الكرام، وأنت بهذا العمل الكريم تثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن إرادتك قوية وإدراكك بأن هذا الأمر يحسب لك لا عليك في ابتعادك عن الغل والحقد لتسهم وبشكل فاعل في زوال قلقك بزوال أحد أسبابه وتجفيف منابعه، ومن ألقى عليك الكلام الذي أساءك فإن ضميره لن يفلته ولن يبرح مؤرقا له فضلا عن أنك بهذا العمل والقدرة في التحكم بالمشاعر وبعد النظر تؤسس للقدوة الحسنة ما يؤثر في الآخرين بل ربما على من بلغك الإساءة، وتجد بعض الأشخاص حينما يبدر منه إساءة لشخص ما نتيجة للانفعال والغضب والتسرع المرافق دائما للخطأ والمتسبب في وقوعه، فإنه إذا خلا إلى نفسه يندم على فعلته تبعا لتأنيب ضميره له وربما يصده كبرياؤه عن التراجع والاعتذار لا سيَّما إذا كان أكبر قدرا في المقاييس الدنيوية الزائلة، بيد أنك بعملك الطيب أكبر قدرا بالمقاييس الحقيقية، وقد يرى في التراجع والاعتذار انهزاما أو نيلا من كبريائه، بينما هو في واقع الأمر شجاعة وانتصار للذات وتغليب للقيم والمبادئ على الفوارق الطبقية والتمايز غير المستحب، فتجده يجنح إلى تعويض إساءته له بشكل غير مباشر كأن يسدي إليه خدمة من باب التعويض، وهذا أمر طيب ولا شك غير أن تفعيل ثقافة الاعتذار أحرى أن تترجم إلى طيبة القلب فالرجوع عن الخطأ فضيلة، وكل يخطئ والكمال لله وحده، وحسب المسلم انتفاء القصد في الإساءة، وفي السياق ذاته فإن الكرم ليس مقترنا ببذل المال فقط، بل مرتبط ارتباطا وثيق الصلة بالنفس، فصاحب النفس الكريمة متسامح ودود عطوف، يشع وجهه نورا، وهذا يعكس ما بداخله من قوة في الإيمان وثقة بالنفس وكذلك فإن الهم لن يجد منفذا إلى قلبه لأنه أوصد الأبواب دونه. بينما تجد سيء الظن والنية وجهه شاحبا مكتئبا دائم الصراخ قلقا متوترا ذلك لأنه فتح الباب على مصراعيه ومنح الهم تأشيرة دخول إلى قلبه وغالبا ما تنجم التوترات والزلات من التسرع وغياب ضبط النفس، وحينما يسافر الإنسان وينتقل من مكان إلى مكان آخر، فإنه يراعي فارق التوقيت، ويضبط ساعته على وقت البلد الذي وصل إليه ليتمكن من أداء واجباته، على الوجه المطلوب، فإذا كان فارق التوقيت ومراعاته مرتبطاً في المكان، فإنه لا يقل أهمية عن هذه الحالة بمعنى أن مشاعره تختلف في حالة الفرح عنها في الحزن وكذلك الغضب، في حين أن قناعته حيال التعامل مع كل الصفات ثابتة يعززها الثبات على المبدأ وحسن النية وسلامة القصد، ولأنه قطعا سيشعر بالندم إذا أقدم على عمل متسرع نتائجه سيئة، لأنه يخالف قيمه ومبادئه، فلم لا تتم مراعاة هذا الفارق شأنه بذلك شأن الوقت، وأن يضبط مشاعره في كل حالة لكي يكون مضبوطا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ودلالة قيمة. قال حكيم: الصدق يوجب الثقة، والأمانة توجب الطمأنينة، والمنفعة توجب المحبة والألفة، والمضرة توجب البغض والعداوة، والعدل يوجب اجتماع القلوب، والجور يوجب الفرقة والتنافر، وحسن الخلق يوجب المودة، وسوء الخلق يوجب المباعدة، والانبساط يوجب المؤانسة، والانقباض يوجب الوحشة، والكبر يوجب المقت إضاءة إياهم فارحم قال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما يقول الناس فيك قال: أسمعتني أقول فيهم شيئا قال: لا قال: إياهم فارحم