18 سبتمبر 2025

تسجيل

المذيع الموهوب (2)

30 مايو 2017

خلال السبعينيات والثمانينيات كان يوجد مُصحح لغوي يتابع المذيعين في قراءاتهم لنشرات الأخبار، ويقدِّم قائمة بالأخطاء وتصويباتها إلى رئيس قسم المذيعين، وتتم مناقشة تلك الأخطاء مع بقية الزملاء المذيعين في اليوم التالي. وهكذا وجدنا أن الأخطاء في انحسار، وأن تفهُّمَ الزملاء لجودة الأداء وخلوه من الأخطاء من الملامح التي خلقت مناخات لنشرات إخبارية خالية من الأخطاء. بل وأفرزت تلك الفترة مذيعين يستطيعون الحديث -خلال الاحتفالات والمناسبات الرسمية- لساعات دون كلل ودون أخطاء نحوية! قلت لزميلي: أذكر أنه كان يوجد أكثر من عشرة مذيعين لنشرات الأخبار وكلهم من القادرين على القراءة دون أخطاء. ولقد كان للدورات التدريبية التي حضرها الزملاء دور في إجادتهم للعمل التلفزيوني عامة واطلاعهم على الجديد في عالم الإعداد والتقديم. أما اليوم فلقد تغيرت الأحوال، وأصبح الإعلام العربي -في الأغلب- "دعاية سياسية"، وفي بعض الدول لا يلتزم بالمهنية الإعلامية. كما دخلت "الواسطة" في التعيينات في هذه الوظيفة، الأمر الذي أوجد حالة من "الاستهانة" بوظيفة (مذيع)، كما حصل مع السائق الذي اعتقد بأن وظيفة (المذيع) أسهل من وظيفة السائق!ومما دار مع زميلي الإعلامي أن محاولة بعض المحطات التميّز أو الاختلاف عن المحطات الأخرى يجعلها تركز على الشكل لا المضمون، إضافة إلى الإبهار البصري، دونما العمق الفكري للمهنة! لذا، شاهدنا وجوهًا لا تصلح لأن تكون على الشاشة، وبعضهم لم يتجاوز الثانوية، بل الإعدادية! وبعضهم لا يمتلك الثقافة العامة، أو الخلفية التي تؤهله للظهور على الشاشة، بل ولا يعرف معنى الضوء الأحمر على الكاميرا، أو طريقة التعامل مع القارئ الإلكتروني Auto Queue ؛ بل ولا يعرف إن كان على الهواء أم "تحت الهواء"! كما تم زجَّ البعض من هؤلاء في حوارات مع متخصصين ومهنيين دون أن يُلموا بمضامين تلك الحوارات، وطغى أسلوبُ قراءة الأسئلة من الورقة على شكل الحوار، ما يكشف عدم قدرة هؤلاء على أداء مهمتهم بنجاح وإقناع للمشاهد.تداولنا أن وزميلي المخضرم قضية اللغة العربية، التي يكرهها كثيرٌ من مذيعي هذا الزمان، بل ولا يفكرون في إجادتها قدر تفكيرهم بالملابس الإكسسوارات! اللغة العربية هي لغة الاتصال، وبدون إجادتها لن يكون المذيع ناجحًا، مهما ظهر على الناس ببرامج اللهجات. وتوصلنا إلى أن الموهبة لها دور أساسي في نجاح المذيع التلفزيوني، بالطبع خلق الله الناس وأودَع فيهم مواهبَ محددة، وإلا لكان كل الناس يريدون أن يكونوا مطربين أو شعراء أو روائيين... إلخ.في إحدى الدورات التدريبية في بريطانيا كان المدرس يقول لنا: "وظيفة مذيع مثل العاشقة.. التي إن لم نعشقها فسنفشل في حبها". اتقفت مع زميلي على أن ذاك الزمان يُعتبر -لدى أهل هذا الزمان- "دقة قديمة" كما يقول إخواننا المصريون! ولكن ما أحلى "الدقة" عندما تكون سامية ونبيلة ومقنعة!