14 سبتمبر 2025
تسجيلالعدو الطبيعي لا يحتاج للتعريف أو للحشد ضده، فأفعاله تكشف عداءه للشعب أو الدولة،وليس هناك من شعب أو دولة إلا وتعرف أعدائها عبر التاريخ ولا تحتاج لأحد أن يقول لها، هذا عدوك.لكن تطور الخبرات الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والإعلامية لدى أجهزة الدول ومؤسساتها،أدخل أمرا جديدا هو تصنيع العدو أو العدو المصنع،بهدف تحقيق المصالح والأهداف الموضوعة لهذا الغرض مسبقا،ووصل الأمر أن اعتمدت تلك الفكرة والخطة وجرى سريانها على الصراعات الداخلية ضد جماعات وأحزاب بل وقطاعات في داخل المجتمع الذي يفترض أن الدولة تعمل لخدمته عبر تحقيق إرادته لا إرادتها هي. أضيفت خطة صناعة العدو الداخلي لتحقيق خطط أجهزة ومؤسسات الدول داخل المجتمعات.وأصبحت خطط صناعة العدو الخارجي والداخلي من أهم الخطط المعتمدة في الصراعات الجارية في عالمنا الآن.هذه الفكرة-الحالة كانت موجودة على صعيد صناعة العدو الخارجي قبل أن ينطق جورج بوش بمصطلح الحرب على الإرهاب،كما كانت حالة صناعة العدو الداخلي وشن الحرب عليه موجودة وفق خبرات كبرى اكتسبت خلال تجربة الحرب على الشيوعيين (المكارثية) التي شهدتها الولايات المتحدة أيضا.لقد شهدت فكرة وخطة تحقيق الأهداف عبر صناعة العدو الخارجي انتشارا وتوسعا واتقانا في خططها منذ نطق جورج بوش بمصطلح الحرب على الإرهاب،إذ جاءت الخطط بمستويات يكاد الشيطان يحتار في قدرة الإنسان على حبكتها.أصبحت فنا استراتيجيا بذاته.أما صناعة العدو الداخلي التي كانت مقتصرة على حالات الثورات،خاصة المسلحة منها،فقد جاءت تجربة المكارثية لتضيف لها بعدا وفكرا سياسيا ولتطرح إمكانية تحقيقها من قبل سلطات الدول ضد جماعات بعينها.والآن تشهد تلك النماذج اندفاعا وتعميما في عالمنا العربي والإسلامي.واللافت هنا أن التجارب العربية جاءت جميعها مستوحية فكرة جورج بوش بالحرب على الإرهاب وجاءت بنفس القدر تطبيقا للمكارثية الأمريكية كنموذج لصناعة العدو الداخلي وإعلان الحرب عليه.وفي شروط صناعة العدو الخارجي فالأمر معقد للغاية،إذ لا تستطيع الدولة الصغرى أن تختار عدوا لها –تصنعه –يكون أقوى منها وإلا أودى الاختيار بالسلطة والدولة ذاتها.في الاختيار يجب أن تتوفر مجموعة من الشروط،منها أن يكون العدو الخارجي أقل قدرة من الدولة،أو مكافئا لقوة الدولة –كما كان الحال بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي-أو أن يكون هلاميا وشاملا ومنتشرا أو يصلح الادعاء بانتشاره،بما يجعله مخيفا للشعب في الداخل،حين يجرى استثماره في تطويع إرادة دول الخارج المستهدفة. في حالة صناعة الخوف من تنظيم القاعدة،اعتمدت ونفذت خطط معقدة شملت أعمالا عسكرية واستخبارية وأنماط من الحرب النفسية والدبلوماسية والإعلامية.وكانت الأهداف موزعة بين الخارج والداخل.في الخارج كانت هناك خطة إخضاع على صعيد كوني عولمي وفي الداخل الأمريكي جرى تطويع إرادة الشعب الرافض للحروب في الخارج.جرت عملية صناعة للخوف في العالم من القاعدة وجرى إظهارها بالعدو الماحق المهول الذي يجب أن يحتشد العالم كله لمواجهته وإلا طاله الإرهاب والعقاب الأمريكي أيضا،باعتبار هذا البلد أصبح راعي الإنسانية وحاميها من الإرهاب.والآن يجرى استنساخ كامل-في العالم العربي- لعناوين وممارسات تلك الخطة وعنوانها –الإرهاب-ووفق تطبيقات المكارثية،التي حصلت على خبرات هائلة بعد احتلال العراق ومطاردة حكامه ورموزه.واللافت في كل ذلك، ليس اختيار العدو والمبالغة فيه ووضع الخطط المسبقة لهزيمته،بل اللافت هو كيف تجتمع الديمقراطية والمطالبة بها على نحو عالمي،وكيف وهي عنوان للحكم في داخل الولايات المتحدة،أن تنتج إدارات تصنع البطش والقتل والدمار،وهي التي جاءت بالتصويت في صناديق زجاجية شفافة.تلك هي اللعبة التي أوحت بها-وربما أمرت بها- الولايات المتحدة،لكثير من حكومات العالم الآخر أو الثالث وصارت نموذجا يطبق في العالم كله.لقد جرى إيجاد علاقة تنهي التعارض بين مشروعية القوة العسكرية ومشروعية الصندوق وجرى تصدير نموذج يجرى اعتماده وفق صياغات محلية.ما نراه الآن هو مزيج من اعتبار القوة العسكرية هي الأصل،وأن الديمقراطية صورة تلفزيونية وليست فلسفة ونظرة للحكم واحترام للشعب.ثمة شيء خطير حدث في العالم المعاصر.لقد أصبحت الدولة هي من يدير إرادة المواطنين ويحددها.صارت إرادة أجهزة الدول أعلى من إرادة الشعب.فإن خرج الشعب عما حددته الدولة،جرى التآمر عليه عبر خطة صناعة العدو،بتحويل من اختاره الشعب إلى عدو.الديمقراطية لم تعد الأقوى بل إرادة أجهزة ومؤسسات الدول!