19 سبتمبر 2025

تسجيل

«كسر الجمود».. الاسم الحركي للتطبيع

30 مايو 2013

محمود عباس لا يقرأ سياسة, والمفترض فيه "أنه يدرك حقيقة الصهيونية"، وهو الذي نال شهادة الدكتوراه (كتبها أو كتُبت له.. لا فرق) عن العلاقة بين الحركة الصهيونية والنازية، لو كان رئيس السلطة يقرأ سياسة بالشكل الصحيح لما توهم بإمكانية قيام "سلام" مع الدولة الصهيونية التي تريد منه العودة إلى المفاوضات دون شروط مسبقة من جانبه, لكنها تشترط عليه وعلى العرب كافة الاعتراف "بيهوديتها". إذ كان عباس لا يدرك حقيقة العدو فهذه مصيبة, وإن كان يدركها ويفعل عكس ما تتطلبه في مواجهتها، فالمصيبة أعظم.   الرئيس الفلسطيني (على السلطة المحتلة فعلياً) وعلى هامش منتدى "دافوس" الذي عقد مؤخراً في البحر الميت، يعقد لقاءات مع رئيس دولة الكيان شيمون بيريز، الذي لا يحل ولا يربط في إسرائيل.ذلك وسط استيطانها وكل جرائمها وموبقاتها تجاه شعبنا وتجاه الأمة العربية دون استثناء. أبو مازن يفتخر بتنسيق سلطته الأمني مع الأمن الإسرائيلي، ويعلن صباح مساء أن إستراتيجيته هي المفاوضات والمفاوضات فقط، ويرسل مندوبه ياسر عبد ربه لعقد لقاءات مع مستشار نتنياهو مولخو، ويتوّجها بلقاء مع نتنياهو. هذا ما كشفه مؤخراً موقع "التايمز" الإلكتروني الإسرائيلي. يتفاخر الرئيس الفلسطيني بإعادة السلطة، لجنود إسرائيليين تائهين، بأسلحتهم، إلى إسرائيل. مع أنهم جاءوا لقتل شعبنا وإذلاله على الحواجز. يدرك أبو مازن أنه كان بإمكانه بهم إخراج كل المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الذين يرفض نتنياهو إطلاق سراحهم، رغم طلب كيري, من أجل إثبات حسن نية إسرائيل، يرفض إطلاق صراح حتى أولئك الذين سجنوا قبل توقيع اتفاقيات أوسلو وإنشاء السلطة في عام 1993. لقد تخلى عباس في وقت سابق عن مسقط رأسه (مدينة صفد). رغم  كل ذلك وكل التنازلات الأخرى، ورغم عشرين عاماً من المفاوضات العبثية والعقيمة مع إسرائيل، التي كان هو مهندسها الأول، لم يجن الفلسطينيون سوى المزيد من الخيبات. مثلما قلنا، فبيريز لا "يمون" على أي قرار سياسي في إسرائيل. وهو صهيوني حتى العظم، وهو مع إبقاء "القدس الموحدة" العاصمة الأبدية لإسرائيل، وهو مع المستوطنات، وضد عودة اللاجئين، وضد الانسحاب من كل مناطق عام 1967، فما الفرق بينه وبين نتنياهو؟ لأن كل القضايا السابقة والمشار إليها هي محل إجماع في إسرائيل، بين كافة ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي. تعليقاً على اجتماع عباس وبيريز قال وزير الشؤون الإستراتيجية في دولة الكيان يوفال شتاينيتس، الذي سخر من رئيسه العجوز وأضاف: "إن على بيريز أن يعرف حجمه الحقيقي، وصلاحياته الفخرية، فهو ليس الناطق بلسان الحكومة الإسرائيلية المخّولة حصراً، باتخاذ القرارات السياسية، والمخولة حصراً بالحديث عن مفاوضات التسوية".جون كيري يزور المنطقة من أجل "كسر الجمود" في المفاوضات بين السلطة وإسرائيل. يجيء الوزير الأمريكي للمرة الرابعة على التوالي، وهو خالي الوفاض تماماً، إلا من قضية واحدة وهي: ممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني للعودة إلى المفاوضات (التي لم تنقطع بالشكل السري) حتى في ظل الشروط الإسرائيلية، وفي ظل الاستيطان، وعليه أيضا الخضوع للمطلب الإسرائيلي والاعتراف "بيهودية الدولة". لقد أقرّت تسيبي ليفني في جلسة عقدتها لجنة الخارجية والأمن في الكنيست "بأن تحريك العملية السياسية ليس أمراً بسيطاً في ظل التشكيلة الائتلافية الحكومية الإسرائيلية المعقدة". مسؤول أمريكي مرافق لكيري صرّح بأن وزير الخارجية لا يحمل معه خطة سلام أمريكية، واصفاً مثل هذا الكلام "بأنه غير صحيح". أما مستشار ليفني الدكتور طال بكار فقد أعرب عن تشاؤمه الشديد إزاء فرص التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين على الأقل في السنوات المقبلة. أما مساعد كيري جون ألان فقد صرح لمحادثيه "بأن الحد الأقصى المستعدة  إسرائيل لتقديمه لا يتناسب مع الحد الأدنى الذي يقبل به الفلسطينيون". معروف بالطبع أن الحد الأقصى الإسرائيلي للتسوية مع الفلسطينيين هو "حكم ذاتي" إداري على القضايا الحياتية للفلسطينيين دون أي سيادة  في ظل حق التدخل العسكري لإسرائيل في مناطق السلطة كلما رأت ذلك ضرورياً لأمنها. بعد كل ذلك ماذا بقي من إمكانية التسوية العادلة، التي يتصور البعض ومنهم الرئيس عباس بأنها قابلة للتحقيق؟! بالتالي: فإن المفاوضات التي تجري تحت شعار "كسر الجمود" أو تقليعة "السلام الاقتصادي" هي مفاوضات لأجل المفاوضات فقط (حتى يقال إن هناك حركة سياسية ما تجري بين الطرفين) ولا لزوم لها، وهي خاطئة تماماً، وتصب في مجرى التطبيع المجاني مع العدو.على صعيد آخر: تنفيذا لما يسمى بـ "خطة السلام الاقتصادي "أطلقت مجموعة من كبار رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين مبادرة أسموها "كسر الجمود" لإحياء المفاوضات بين حكومتي البلدين (وكأن هناك بلداً مستقلاً اسمه فلسطين) وطالبت المجموعة التي يصل قوامها إلى 300 رجل أعمال فلسطيني وإسرائيلي، تشكل موجوداتهم ما قيمته 60% من الناتج المحلي الإجمالي الاقتصادي للطرفين، كما طالبت القادة بالجلوس على طاولة المفاوضات بشكل جدي، والتوصل إلى حلول تنهي الخلاف (وكأن الخلاف على قطعة أرض حدودية بين بلدين مستقلين!) بين الطرفين. بداية: فإن على رجال الأعمال الفلسطينيين إدراك أن إسرائيل هي المعتدي، وهي الجلاد، وهي المحتل الذي يحتل أرضاً فلسطينية منذ عقود طويلة. كما لا يمكن التعاون بين اقتصاد محتل واقتصاد تابع للاحتلال (وفقاً لاتفاقية باريس الاقتصادية، التي جعلت من الاقتصاد الفلسطيني ذيلاً في هيكل الاقتصاد الإسرائيلي, وكبّلت الفلسطينيين بطريقة تجعل من الاقتصاد الفلسطيني مسماراً صغيراً في عجلة الاقتصاد الإسرائيلي). رجال الأعمال الإسرائيليون هم من يمولون مشاريع الاستيطان الإسرائيلي في أراضينا، وهم الذين يشاركون في مساعدة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. تعتمد عليهم الحركة الصهيونية لإنجاز الكثير من مهماتها القذرة! رجال الأعمال الإسرائيليون هم تماماً كما وصفهم وزير الرفاه الإسرائيلي مائير كوهين: "يدركون تماماً أن أي اتفاق إسرائيلي مع الفلسطينيين يتوجب ألا يشمل القدس التي يجب أن تبقى إسرائيلية موحدة حتى الأبد". نود التساؤل: هل يعترف رجال الأعمال الإسرائيليون بأيٍّ من الحقوق الوطنية الفلسطينية؟ لم نسمع مثل هذا الاعتراف ولن نسمعه، بالتالي فإنهم على شاكلة القيادات الإسرائيلية في آرائهم وتطرفهم، ونفيهم للفلسطينيين وحقوقهم.لا يمكن لمطلق فلسطيني وعربي غيور فهم موافقة رجال الأعمال الفلسطينيين, على التعاون مع أمثالهم الإسرائيليين، إلا من زاوية تصب أيضاً في خانة التطبيع المجاني مع العدو الصهيوني!