26 ديسمبر 2025

تسجيل

ثقافة "شيت أرناق"

30 أبريل 2020

أذكر ونحن صغار نلعب في الفريج يمر بنا رجل يحمل على ظهره رداء كبيراً، يضم في داخله عدداً كبيراً من قطع الثياب، وقطع قماش متعددة الالوان للنساء، ويصيح "شيت أرناق" فينادى عليه من بيت لآخر ويأتي عند الباب ويفرش رداءه، ويظهر قطع الثياب والملابس النسائية بألوانها المختلفة، ويعرضها لنساء الفريج من بيت لآخر، ويشترين منه ما يردن، ثم يطوي رداءه بما بقي ويذهب ليعود بعد كم يوم، هذا البائع "شيت أرناق" لا عنوان له، ولا أحد يهتم بمعرفة اسمه، أو من أين يأتي، أو الى أين يذهب؟. وكلمة "شيت" أعتقد أنها تعني قطعة لباس أو كما كنا نسميه "خَلق" وأرناق تعني أنواعا فيما أعتقد، هذا التنوع يشبع طلبات كل نساء الفريج من الملابس النسائية. تذكرت هذا الرجل وتذكرت الـ "شيت أرناق" الذي يحمله وأنا أتتبع إعلامنا الخليجي بشكل عام وما يبثه من برامج ومسلسلات خاصة في شهر رمضان، خاصة بعد تلاشي الطابع الترويحي الفكاهي وزيادة جرعة الدراما الثقيلة، ناهيك عن بعض البرامج التي تستجلب العنف والازدراء كوسيلة للتندر والضحك، هذا التنوع في الشكل غير المدروس أو المؤدلج أحياناً، ناهيك عن بعض البرامج المباشرة المكررة لقاء مع فنان أو مسؤول، يشعرك أننا نعيش ثقافة "شيت أرناق" ومع جائحة كورونا تبدو "الارناق" أكثر تعدداً وأكثر عدداً، النصائح تصلك حتى وأنت نائم، والكل أصبح اختصاص فيروسات والجميع يعطيك تعليمات بكل شكل ولون، "شيت أرناق" كان رجلاً بسيطاً تبدو على ملامحه الطيبة وتعب السعي، بينما "شيتات أرناق" اليوم يملؤون الفضاء وهم على أرائكهم جالسون ويقدمون تنوعا ثقافيا ملفقا وهشا. حيث إن الامور تدار بعيداً عن تأثيراتهم فإذا كان "شيت أرناق" السابق لا يهم أن يملك عنواناً واضحاً فلأنه يبيع بضاعة كمالية، أم "شيتات أرناق" الثقافة اليوم فهم إما بين توظيف سياسي أو غباء اجتماعي. "شيت أرناق" الماضي كان أعظم نفعاً رغم بساطة ما يبيع ووعورة طريقه الذي يسلكه نحو الفرجان إلا أن الأبواب تُفتح له ببراءة الزمن وحسن نوايا أهله بينما "شيت أرناق" اليوم يتسلل إلى البيوت ليس ليبيع وإنما في الأغلب ليهدم ولا أعمم، حتى يبقى الأمل في الإصلاح طريقاً مفتوحاً. [email protected]