31 أكتوبر 2025

تسجيل

لنختلف بأصول ودون إساءة للآخر ؟!

30 أبريل 2015

في إحدى تغريداته على الفيسبوك.. طرح الأستاذ جابر الحرمي.. رئيس تحرير الحبيبة "الشرق" موضوع جهلنا بـ "طريقة الاختلاف"، ولأن القضية لامست ولا تزال.. وترا احتلّ ولا يزال من ذهني حيزا كبيرا.. ارتأيت الكتابة حول الموضوع. نعم.. من الطبيعي أن يختلف البشر في وجهات نظرهم. ذلك كان منذ بدء الخليقة، وهو موجود وسيظّل ما بقيت حياة، ومادام هناك ناس يعيشون على وجه البسيطة. غير أن من اللامعقول، أن يصل الاختلاف إلى حد الإسفاف في كيل الاتهامات والأخرى المضادة بين شخصين يحملان وجهتي نظر مختلفتين، وأن يجري شخصنة هذا التعارض للهجوم على ذات الآخر، في محاولة تسفيهه وتحطيمه، والنيل منه ومن شخصه ومن معلوماته.. إلى غير ذلك من أشكال بعيدة كل البعد عن احترام الرأي والرأي الآخر ومقولة (الاستعداد للتضحية بـ "الأنا" في سبيل "الأنت"!). بما يعمل على تحريف أسس ثقافة الاختلاف والعمل على تسييد منهج الشتم.. بعيدا عن العقل والمنطق والحضارة، وأصول الاختلاف، بل يقع خارج إطار المنطق والمكان والزمان أيضا. تترافق هذه المسألة، مع قضية أخرى، وهي تقييم الآخر، فإذا كنا نحب إنسانا، نراه ملاكا ناصع البياض بعيدا عن أي خلل فيه، وإذا كنا نكرهه لموقف شخصي (على سبيل المثال)، نراه أسود بعيدا عن أية صفة إيجابية في ذاته أو في آرائه... فتقييمنا ينطلق: إما أبيض واما اسود. بعيدا عن التقييم الصحيح، الذي يقّر بالإيجابيات والسلبيات، وهي الموجودة بالطبع في مطلق إنسان. أي أننا ننفي وجود اللون الرمادي! الغريب هو انقلاب مواقف البعض منّا مائة وثمانين درجة بالنسبة لتقييم ذات الشخص نتيجة لخلاف صغير في الرأي معه... فتنقلب صورته في ذات كل منّا: صديق حميم إلى عدو غشيم وإلى شيطان رجيم! مناسبة القول: ما نقرأه في بعض الصحف من لغة حوار شوارعية بذيئة، وما نشاهده في بعض برامج الفضائيات من أساليب اختلاف ممجوجة ومبتذلة لا يستفيد منه المشاهد شيئا، بل هي أقرب إلى مصارعة الثيران منها إلى لغة الحوار البشري العَقلاني! مؤخرّا زاد استعمال حتى الأحذية بين المتحاورين على الفضائيات. أحدهم لم يكتفِ برميِ زميله (المُفترض أنه كذلك!) بالحذاء بل سحَبَ عليه المسدس، ولولا (فزعة) مقدّم البرنامج لربما أطلقَ عليه الرصاص وقتله.. لماذا؟ لأنه يختلف مع رأيه! ثقافة ما بعدها ثقافة! تصوّر أنك إذا دُعيت لحوار على إحدى الفضائيات العربية. فمن الضروري لك ارتداء سترة واقية من الرصاص وخوذة للرأس، وسدّادة للأذنين من أجل حماية السمع لديك ربما من احتمال تفجير قنبلة أو استعمال قذيفة مدفع أر. بي.جي. وربما تفجير صاروخ! تصوّر أنك بحاجة إلى البحث عن أحذية مستعملة لاستعمالها في الحوار (فالأحذية البالية بمعانيها أكثرُ وقعا من حيث التأثير)!، فلربما يقوم محاورك برمي حذائه في وجهك، ومن أجل ألا تجعله ينتصر (وهذا عيب في حقّك) أو أن عليك رميه بحذاءين وذلك (حتى تردّ له الصاع صاعين) و (أن ما فيش حدا أحسن). المصابون بعقدة النقص هم الأكثر علوّا في أصواتهم، وهم الأكثر ادّعاء بـ "امتلاك الحكمة والحقيقة المطلقة" وهم ليسوا كذلك. والمُطلق بالطبع هو خارج القدرة الإنسانية، فـ "جلّ الذي لا يسهو ولا يخطئ". هؤلاء هم المثقفون الدكتاتوريون... وقد قال عنهم المفكر العربي: محمد عابد الجابري (يحتوون في أوساطهم على من هم أكثر قمعا إن تولوا المسؤولية من أكثر الدكتاتوريين تطرفا)، ولذلك تراهم يضيقون ذرعا بالنقد الذي يوجّه إليهم... مع العلم أن واحدا من أعظم رجالات التاريخ العربي ـ الإسلامي، وهو الخليفة العادل (الفاروق): عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كان وهو خليفة المسلمين يفتح صدره للنقد من أي كان من عظماء القوم ومن أبسطهم، وهو لم يصغر بذلك، بل ازداد علوّا وعظمة. ألم يئن الأوان لبتر عملية الترويج لثقافة الإسفاف في الاختلاف؟ والتمسك بـ الثقافة الحقيقية لأصول الاختلاف؟.