12 سبتمبر 2025

تسجيل

الدعاء بالزواج من المحبوبة

30 أبريل 2015

يسأل أحدهم فيقول أحببت فتاة في مثل سني فهل يجوز لي أن أدعو الله -عز وجل- أن يجعلها من نصيبي بحلاله وشرعه؟أقول: الزواج نعمة من نعم الله -تعالى- يمن بها على من يشاء من عباده: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً "[1] :" وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً .."[2] ومسألة الميل القلبي نظرا للاستلطاف أو الاستهواء الذي يُنصب شراكا من البعض ولاسيما من يكونون في مرحلة المراهقة فيصادف هذا الاستلطاف قلبا خاليا فيتمكن عند ضعف قوة التطعيمات ضد هذه العواصف الهوجاء، صور هذا الاستلطاف التي يسميها البعض حبا ليست هي الأساس الذي تُبْنى عليه البيوت فليس كل البيوت تُبْنى على الحب إنما تبنى البيوت على الذمم والضمائر، كما قال الفاروق -رضي الله عنه- عندما دخل عليه رجل يريد مفارقة زوجه قائلا إنه يكرهها ولا يحبها؛ ولكن هذا الميل الأصل في عمومه الفطرة لما ركز الله -تعالى- في غرائز الناس من النزوع والميل القلبي المتبادل بين الجنسين لتحقيق سنة الله في عمارة الكون ولتحقيق وعد الله -تعالى- باستيفاء عِدَّة واكتمال عَدَد أهل الجنة – جعلنا الله تعالى منهم – واستيفاء عِدَّة واكتمال عَدَد أهل النار – أجارنا الله تعالى منها - كما قال أحد السلف في الحكمة من استمرار التناكح والتناسل بين الخلائق فلكل منهما على الله -تعالى- ملؤها قال -تعالى- لإبليس:" لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ"[3] وقال: "وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"[4] وفي الصحيح: لما "تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ-بين يدي الله - فَقَال اللهُ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا".[5] والمؤمَّل غيب والأقدار غائبة – وغالبة - ولا يعلم الغيب إلا الله: "وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ"[6]:"عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً "[7] :" وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ"[8] وجعل المولى -عز وجل- صفيه من خلقه وخليله يقرر حقيقة ما لديه من علم بهذه الناحية فقال -تعالى-: "وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ "[9] "إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ"[10] وهذا نوح -عليه السلام- يقرر "وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ"[11] وأنكر -تعالى- على من يقتحمون هذه الدائرة المحظورة قائلا: "أطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدا"[12] "أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُون"[13]"أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى"[14] "حصر -تعالى- العلم بهذه الدائرة وقصره عليه فقال: "قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ"[15] حتى الجن سواء مع الإنس في خفاء هذا العلم عليهم قال -تعالى-: "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ"[16] ولهذا كله لا نؤيد الدعاء على النحو الوارد في السؤال فرب محبوب ستر مكروها قال -تعالى-: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"[17]، وللآية: "وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً"[18] وقوله: "وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ"[19] وعَادَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ "هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟"، قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ -: "سُبْحَانَ اللهِ لاَ تُطِيقُهُ، أَوْ لاَ تَسْتَطِيعُهُ أَفَلاَ قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ[20]‏ ولهذا حبذا شرعا وعقلا وعرفا بناء على ما سبق أن يكون الدعاء "اللهم خر لي واختر لي" دون تشبث ولا انسياق وراء هذه العواطف التي تغطي على العقل وقد قيل حبك الشيء يعمى ويصم كما قيل الحب أعمى، أي يصيب صاحبه بانجرار شديد وراء الهوى بحيث لا يبصر ما يراه ويراه الآخرون من عيوب فيمن يهوى وقد يكون من يهوى - قد ملئت أو ملئ - مثالب ملء السمع والبصر ولكن الهوى يقود إلى الصمم والعمى عن هذه المثالب كلها ولا يعلم أحدنا الخير أين!! وكان الفاروق- رضي الله عنه- يقول (لا أبالي على أي حال أصبحت على ما أحب أم على ما أكره ؟؟ لأني لا أدري في أيهما الخير) والاستخارة – عند سلامة العقيدة وصحة وصدق الإيمان بالله -تعالى- الذي يُسَيِّر الكون كيفما يشاء سبحانه – للحديث "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" أقول الاستخارة خير ما يشرع في مثل هذه الأحوال وهي عنوان وأمارة تفويض الأمر إلى الله -تعالى- الذي يعلم ما يصلح عليه حال عباده دون تهور ولا فقدان اتزان نفس ولا رزانة عقل وهذا هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الصحيح: قَالَ لعَائِشَةَ: "أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، جَاءنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتكَ، فَأَكْشِفُ عَنْ وَجْهِكِ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ. فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ"[21] فكان من السنة لمن رأي خيرا في الرؤيا وكذا من توقع خيرا في رأي ارتآه أن يقول "إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُمْضِهِ" هذا وبالله التوفيق .