10 سبتمبر 2025

تسجيل

ثراء.. من نوع آخر

30 أبريل 2013

تقابلت صدفة بإحدى الصديقات القدامى في شارع اوكسفورد بلندن، تبادلنا التحية وبعض الأحاديث السريعة، وقالت انها تقضي كامل وقتها في لندن في جولات التسوق رغم أن أبناءها يلحون عليها بأخذهم إلى متاحف لندن الشهيرة، ولكنها لا تحبذ الذهاب لان البعض من أقاربها لا ينصحها بذلك، فليس هناك من متعة تذكر في رأيهم!! وأتذكر أنني قرأت في إحدى المرات نصيحة لأحد كبار الكتاب العرب، حين قال ان الإنسان يجب أن لايتبنى رؤية أي إنسان آخر، وألا نعتمد على أقاويل البعض، لأنه عندما ذهب إلى باريس في إحدى السنوات نصحه أحدهم بألا يفكر بزيارة أي من المتاحف فلن يجني منها إلا التعب الشديد وتورم القدمين، لكنه أصر أن يزور تلك المتاحف وخاصة ذلك المتحف الصغير، والذي هو في الواقع كان منزلاً للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوجو، وقام بوصفه بطريقة ورؤية أخرى تماماً، وأنه كان سيلوم نفسه كثيراً لو فاته أن يزور هذا المتحف. وهذا ماحدث عندما كنت في زيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، وكان من أهم أسباب تشجيعي على تلك الزيارة بعض القنوات الروسية التي تبث باللغة العربية، وتسلط الضوء على مدنها ومتاحفها، كما لفتت نظري إلى عظمة التاريخ الروسي، خاصة وأنني قد قرأت سابقا بعض القصص من الأدب الروسي، وقد تلقيت كثيرا من النصائح أيضاً من البعض الذين لايعرفون شيئاً عن روسيا، ولم يسبق لهم زيارتها، حيث قاموا بتحذيري من نسبة الأمان في العاصمة!! ورأيهم بأنه ليس هناك الكثير لنراه سوى ذلك المبنى الضخم ذي البصلات في الساحة الحمراء، وتلك المباني المسورة الشهيرة بالكرملين. لكن دائماً للتجربة وقع آخر وطعم آخر ولون آخر، وكانت هناك الرؤية الجديدة للشعور بالأمن، وبساطة التعامل مع الإنسان الروسي في تلك المدينة الواسعة الغامضة، التي تنطق الكثير من مبانيها وشواعها الواسعة بالفن متعدد الثقافات، الذي يضيف للزائر ثقافة جديدة لم تسبق له. ويمكن أن أقول ان من أهم الأشياء التي كنت سأندم كثيراً لو لم أرها في هذه العاصمة هو متحف التاج الإمبراطوري الذي امتد منذ مايقارب عام 1400م، وتذكرت ماقاله ذلك الكاتب عما يصاحب المتاحف من تورم القدمين، الذي شعرت به عند زيارة هذا المتحف الذي قطعت حدائقه الواسعة المؤدية إليه، هذا غير السلالم التي تعادل خمس أو ست طوابق أو ربما أكثر، حيث الشعور الكبير بالتعب، لكن كل ذلك كانت لحظات تنسى عند لحظة الانبهار، يمكن أحياناً للقلم أن يعجز أن يصف الجمال والإبداع والذوق والعجب، وإن الإنسان قبل كل تلك السنوات كان قادراً أن يصنع مثل ذلك الإبداع الذي يعتبر ثروة إنسانية من صنع اليد لاتصنعها إلا الآلة اليوم. كم هو جميل أن تتاح لنا فرصة أن نرى بعض أوجه الجمال الكثيرة في هذه الحياة التي تسحرنا وتبهرنا وتجعلنا نشعر أننا أضفنا لأرواحنا ثراء من نوع آخر يستحق أن نتعب من أجله. جميل أن نرى الأمس الذي لم نره ولم نكن نتخيله، دعوة لأن لا نتردد أن نثري أنفسنا بعراقة التاريخ وثقافة الشعوب.