15 سبتمبر 2025
تسجيلاقتربت من النافذة فوجدت الثلج قد غطى الشوارع والسيارات، وكسا اللون القطني الأبيض كل المساحات، في يوم شديد البرودة من أيامي في العاصمة لندن. فقررت أنا وقريبتي أن نذهب إلى محل (fortnum and mason ) الانجليزي العريق، الذي يشتهر بالغرف الراقية المخصصة كمقاهٍ لتقديم شاي الظهيرة بطريقة انجليزية كلاسيكية لا تخلو من فنٍ في اسلوب التقديم، ولأنني أعشق الشاي واستمتع بلحظاته دخلنا أنا وقريبتي وانتظرنا في طابور لكي نحصل على طاولة في المكان الذي كان مزدحماً في يوم من أيام الأحد. أوصلتنا النادلة إلى الطاولة، وما أن اخترنا نوع الشاي الذي نفضله وأخذتنا الأحاديث في أمور الحياة حتى انتبهتُ إلى سيدة تتحدث مع النادلة وتتحرك بسرعه، وترجو من النادلة أن تجلب لها الشاي بسرعة، لأنها لا تستطيع الانتظار، فقد قدمت إلى المحل كي لا تفوت على نفسها متعة شرب الشاي في هذا المكان العريق، قالت كل ذلك وهي لم تجلس بعد، أمعنت النظر إلينا ثم قامت بخلع معطفها الثقيل وجلست بقربي في طاولة ملاصقة لطاولتنا، وبسرعة لافتة للنظر أخرجت ورقة بيضاء ومجموعة من الأقلام الملونة كتلك التي يستخدمها الأطفال، وأخذت ترسم في قلوبٍ وورد وتقوم بتلوينها، وللحق فقد شعرت بالخوف من هذه السيدة التي كانت تقوم بمهمتها في التلوين بهمة وتنظر إلينا، أما قريبتي فقالت إنها ربما كان فيها شيءٌ من الجنون، ولم نعد نعرف أنا وقريبتي كيف نعود لنسترسل أحاديثنا فقد شغلتنا هذه المرأة بتحركاتها مما جعلني أبتعد بالكرسي قليلاً عنها، وفي الوقت نفسه كنت أرى بوضوح ما تفعله من رسوم كرسومٍ للأطفال، ثم أخذت تكتب رسالة طويلة بعد أن انتهت من تلوينها، وفجأه التفتت إلينا وسألتنا من أين أتينا، وأشارت إلى رأسي وقالت لي: "أنتم المسلمين تضعون هذا، هلاّ قلت لي ما اسمه؟".. وللحق أيضاً رددت عليها وأنا خائفة منها بأنه حجاب، ثم تحدثت عن نفسها وقالت إنها أتت من الدنمارك خاصة كي تفاجأ جدتها في يوم ميلادها لأنها بلغت السادسة والسبعين، وأنها في عجلة من أمرها لأنها تريد أن توصل لها الرسالة لكي تعبر لها عن حبها وامتنانها وأنها جاءت خصيصاً من أجلها. فشعرت بشيء من الراحة الكبيرة نحوها، وأحسست بالخجل من نفسي بأن ظننت في لحظة بأنها غير سوية، بينما هي تقوم بشيء قليل يبعث فرحاً كبيراً. تذكرت كم منا نسي أن يبعث الفرح في قلب من ينتظره. تذكرت كم من أناس رحلوا عنا، نسينا أن نقول لهم كلمةً نعبر فيها عن مشاعرنا وبأننا نحبهم كثيراً ونشكرهم على مافعلوه من أجلنا.. وما أعطوه لنا من حب وحنان. تذكرت كم منا قد نسي زيارة قريب أو مريض لم يعد يحتاج في هذه الدنيا إلا للحظات فرح حقيقية، نسينا أن نهديها له في وصل أو زيارة، وأن نرسم له لوحة حب ملونة نترجمها كلمات واهتماماً ورعاية قد لا تأخذ إلا الفتات من وقتنا. تعلمنا الحياة كثيراً ولكننا..هل نتعلم؟