11 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمن الغذائي في قطر من النفط الخام الى الأرز النثري

30 أبريل 2012

جميل ان تُطَوّع قطرُ النفطَ الخام لانتاج الغذاء، فمنذ ايام قليلة اعلنت شركة حصاد الغذائية طرح "الأرز النثري" القطري المدعوم في الأسواق وهو حصيلة لاستثمارات في موطن للأرز "اعتمادا على الإرث الباكستاني الأصيل والمعرفة العميقة في كيفية زراعة وحصاد الأرز، لضمان تزويد السوق القطري بهذا المنتج الحيوي ذي الحبة الطويلة بأسعار تنافسية جداً". "حصاد الغذائية" شركة دؤوبة تهدف إلى امتلاك وتطوير شراكات استثمارية زراعية عالمية فعّالة ومربحة تساهم في تحقيق الأمن الغذائي من خلال توفير منتجات عالية الجودة باستخدام أحدث أنواع التكنولوجيا الصديقة للبيئة وهي احد البرامج القطرية اليانعة ضمن تطبيق اهداف رؤية قطر التي فرحنا بحصادها في أعلى المواصفات من الورد "روزا حصاد" الى الماشية، والى لقمة سد الرمق التي سأطلق عليها "رُزّا حصاد". ليست حصاد فحسب، فقطر بجحود موقع جغرافي، بلد صحراوي، تواجه رغم كونها شبه جزيرة شحا خطيرا في الموارد المائية، مما حداها الى الاعتماد على استيراد الكثير من السلع لتحقيق أمنها الغذائي الأساسي. ولمواجهة هذه الحقيقة وبعد سنوات من ثمرة العمل الجاد تم التدشين الرسمي لبرنامج آخر طموح جدّا هو "برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي" بتوجيه من سمو ولي العهد وتبعية مباشرة لمكتبه بهدف وضع خريطة طريق تسير عليها قطر لتحقيق الأمن الغذائي المستدام، والتصدى لمعالجة المشاكل التي تهدد استدامة الطاقة والمياه والزراعة والإمدادات الغذائية.. والذي يهدف ايضا بشراكات دولية الى ترسيخ البحث العلمي وإنشاء شراكات تنمية تركز على تطوير التكنولوجيا الزراعية وممارسات الطاقة المستدامة الحديثة للبيئة القاحلة وشبه القاحلة مما يسمح بتنفيذ طرائق الزراعة المحمية الرائدة وتقنيات الكفاءة المائية مثل الري بالتقطير، ووضع مستقبل لتحلية واسعة النطاق لمياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية، والتصنيع الغذائي من خلال إنشاء مجمع زراعي صناعي. قطر دولة ثريّة ولكنها لم تعتمد إقامة أمنٍ على ناضب، اعني النفط والغاز الناضبين حتما، بل حرصت رؤيتها على دعم مجتمع المعرفة وعلى تحقيق الأمن الغذائي، وان كانت الرؤية قد وضعت اربعة مرتكزات اهتمت بها اهتماما بالغا واولت فيها التنمية البشرية اول اهتماماتها الى جانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. لعل اطروحة الأمن الغذائي التي اهتم بها مؤتمر "اونكتاد" الاسبوع الماضي كأحد محاوره في الدوحة واهتمام منظمة التجارة العالمية بهذا المحور يطرح اهم متلازمتين للبشرية ورد ذكرهما في القران الكريم: الأمن والغذاء (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، فاذا اقترن الأمن بالغذاء تحققت اهم مكتسبات الحياة الكريمة.. البيان الختامي لمؤتمر القمة العالمي للأمن الغذائي في 2009 حدد الأركان الأربعة للأمن الغذائي التي اتفق عليها العالم وهي: توافر الغذاء وإتاحته والقدرة على استخدامه واستقراره. وتفخر قطر بان قيادتها ورئاستها لمثل هذا البرنامج ليست شكلية بل اسم على مسمى. الأمن سّميَ امناً لا لأجل الحاضر فقط بل لاحتوائه المستقبل ايضا فرؤية قطر تنص في احد مضامينها على ان: "التنمية المستدامة هي عملية تهدف إلى تلبية متطلبات الجيل الحالي دون المخاطرة بقدرة الجيل المستقبلي على تلبية متطلباته. وهذا ما يطلق عليه "العدل بين الأجيال". " قد يتم تهديد حقوق الأجيال المستقبلية وذلك في حالة عدم تعويض الاستنزاف في الموارد غير المتجددة من خلال إنشاء مصادر جديدة للثروة المتجددة". نَعُمَتْ قطر ونَعُمَ المنفّذون.. حقيقةً، يحق لنا في قطر ان نفخر، فرؤية قطر منذ اطلاقها لم تكن أضغاث احلام ولم تعُد رؤية بل غدت برنامجا تطبيقيا فاعلا لمسناه في الحياة بيننا بانجازات تفصح عن نفسها يوما بعد يوم وان كنا نثني على رائد الرؤية وعلى هذه الجهود الطيبة لفرق العمل التي عملت عليها والسواعد التي خططتها وتلك التي حولتها الى واقع ملموس بدعم بشري ومادي واقتصادي وبيئي حسب متطلبات الرؤية، فإنها لم تكن لتتأتّى لولا الدعم من اعلى الهرم السياسي. ومن منطلق اهداف برنامج الأمن الغذائي الوطني ايضا التي تنص على دعم القطاع الخاص بتوفير موارد مالية كبيرة لتطوير القطاع الزراعي بدءاً من الإنتاج وصولاً إلى الاستهلاك، بالإضافة إلى تقديمها لخدمة استشارية متخصصة لتقديم المساعدة التقنية للمزارعين لرفع قدرتهم على تحويل مزارعهم إلى مشاريع تجارية منتجة ومربحة. فاننا أيضا، نناشد قيادة الوطن وهذا المشروع دعم المزارع الخاصة واصحابها بكل وسائل الدعم في كافة برامج الزراعة والري الحصاد والصناعات الغذائية ومترادفاتها واحتياجاتها وتربية الماشية والدواجن وانتاج الحليب والألبان ومشتقاته، وسأوردها فيما يلي: أولا.. دعم الصناعات الغذائية المحلية واحتياجاتها الاساسية: فعلى سبيل المثال: كانت قطر فخورة سابقا بمزارع انتجت ألبانا عالية الجودة باسم "الشركة القطرية للألبان" تملكها عائلة قطرية معروفة تفوق جودتها وحرص المستهلك القطري عليها ما يغرق به السوق القطري اليوم من "مراعي" سعودية أو "روابي" اماراتية والتي لا اظنها اختفت فجأة من السوق القطري وهي شديدة الطلب، إلا وربما بسبب قلة الدعم او الاغراق التافسي غير المتكافئ من الاسواق الجارة الكبيرة، باسعار لا تفي اصحاب المزارع والمصانع المحلية القطرية رأس مال انتاجهم وقيمة تكلفة المصنع الموازية لجودته، ناهيك عن تحقيق الربح، خصوصا وان من خبَرَ دخول سوق الصناعة في قطر سابقا - وقد جرّب آباؤنا ذلك في مجال آخر مرتبط - سيجد اغراقا لا مثيل له لذات المنتج لا تدعمه دولته لتفشل الصناعة القطرية التي تقاوم وتبدع في ندرة سكانية سابقا وبقعة جغرافية صغيرة وقاحلة، مقارنة بمن حولها من دول جارة ومصدّرة ومدعومة. ثانيا.. دعم الخبرات والعقول القطرية في مجال الأمن الغذائي: نلاحظ تراجع في الإفادة من العقول والمواهب المنتجة من القطريين في مجالات الزراعة والحصاد وتهجين الماشية من غير الملاك، والتي كانت تستغل كفاءتهم وخبراتهم الكبيرة بشكل محدود وبجهود فردية في تأجير مزارع عليهم بعوائد انتاجية غذائية مجزية للملاك، حيث لا توجد في الدولة قاعدة بيانات عنهم او بحث جاد او اعلان يتحراهم خبراء قطريين مخضرمين لتنتفع قطر من خبراتهم الى جانب غيرهم في الوقت الذي تسعى فيه لاستيراد الخبرات. أخيرا.. دعم المزارع الخاصة وملاكها وانتاجها والمهددة بنزع الملكية: فما زالت المزارع الخاصة الأخرى المملوكة لقطريين من عائلات معروفة ايضا والتي تملكوها بالشراء الخاص من حرّ مالهم وممتلكاتهم الخاصة، ولم تكن أبدا وضع يدٍ وفي مناطق متفرقة من قطر، عرضة للمسح من خريطة الوجود بدعوى "المنفعة العامة" دون بوادر او حتى منافذ لإحقاق الحق ولدعم ملاكها باراض زراعية بديلة في موقع زراعي تعتزمه الدولة في خطتها الأمنية الغذائية القادمة، او تعويض مجز لايجاد اراض بديلة لتلك التي تكبدوا فيها خسائر حفر آبار ومد خطوط ري وتسميد وحرث.. الخ، مما يعلمه القائمون على مشاريع الزراعة والغذاء وتربية الماشية من انفاق، في مفارقة كبيرة مع الاهمية التي تطرحها قطر لبرنامج دعم الأمن الغذائي والشركات ودعم المزارعين والملاك المحليين وتحويل مزارعهم الى مشاريع منتجة. تلك لعمري ملاحظات ضرورية ننقلها لولي الأمر ورائد المشروع ليقف على ذلك بأم عينه ما دام إنتاج الغذاء أمنا مدعوما وما دامت الاستحقاقات عدالة بشرية. ومرحى لدولة قطر من النفط الخام الى الأرز النثري ومن دول الريع الى دول الانتاج وإن كانت صحراء مجدبة، فخصوبة القيادة والفكر والانتاج والعمل الشعبي الدؤوب نهر جار ٍتروى به أجدب الصحارى.