14 سبتمبر 2025

تسجيل

الدنيا دوارة

30 مارس 2023

هي وجوه ترى في ملامحها النور الذي بات مفقوداً في كثير من الوجوه!.. ورؤوس اشتعلت شيباً وظهور منحنية وأقدام عاجزة ونظرات تائهة وأيد ترفع إلى السماء فتتمتم الشفاه بما يجول بخاطر صاحبها.. هؤلاء هم شيوخنا الكبار الساكنين في المؤسسة القطرية لرعاية المسنين هنا بالدوحة.. هؤلاء الذين نسوهم أبناؤهم وغفلت عنهم الدنيا فلم تمنح لهم من اهتمامها شيئاً..أولئك الذين تجثو الجنة تحت أقدامهم ونرى طاعتهم جهاداً ومحبتهم أجراً.. ولكن وليت حرف الاستدراك يغيب عني قليلاً.. كيف نحن مع آبائنا؟!.. كيف كان رد الجميل إليهم؟!.. ترى كم منا (رمى) والديه في دار العجزة ونسى.. نسى إنه كان في يوم من الأيام جنيناً حملته بطن حنون دافئ حميم تحفه المحبة لتلك النطفة الغالية في أحشائها.. نسي إنه كان طفلاً يلعب فتراقبه عين لا تنام إلا بعد أن يغمض عينيه في حضن صاحبتها ويأكل قبل أن يأكل والديه كيف لا وهو الطفل الغالي الحبيب قرة أعين والديه؟!.. كان يلهو وقبل أن تغافله سقطة ما كانت ذراع والدته أسبق إليه من الأرض فتضمه تهدئ من روعه..تناسى لعبه مع والده في الليالي الطويلة وإعطائه من حنانه ورعايته وماله الشئ الذي لا تستطيع الكلمات أن تفي به.. نسي كل ذلك واليوم ينكر ما قدم والداه له.. كبر وكبر شأنه معه فلم تعد (العجوز) أمه مهمة له ولا (الشيبة) أبوه يعد شيئاً في حياته!.. ظن إنه بدونهما سيكبر وسيحقق ما يريده.. وغفل عن برهما والاهتمام بهما وأحبا يوماً أن يلتفت لهما وألحا عليه.. يا ولدنا إن لنا حقاً لديك ونريده.. نريد وجهك لنراه ونقبّـله.. نريد حضنك ليخفف من ارتجاف أوصالنا الهرمة.. نريد صوتك يعزف على أوتار حرماننا ما فقدته منذ ان كبرت وعلا شأنك!.. لا تنسانا فإننا لم ننسك!.. ومع ذلك كان جزاؤهما دار المسنين ليجدوا في الجدران الصماء ضآلتهم وفي أقرانهم (الونيس الوفي) الذي يفتقدونه فيه.. ونسيت..نسيت يا هذا إن لك أماً تدعو الله في ردهات الليل المظلمة أن تلقى وجهك قبل ان تلقى وجه ربها الكريم.. نسيت إن لك اباً ينظر بحرقة إلى كتفيه العاريتين الباردتين ويحلم أن تربت كفك الدافئة عليهما فتخفف من وحشتهما ولكن استعظمت عليهما أن يريا أحلامهما واقعاً وانجرفت وراء عائلتك الكبيرة ومشاغل الدنيا – هكذا يبررون تقصيرهم-.. ويلك.. ما الذي تفعله وفعلته ؟!.. أبوك وأمك.. جنتك ونارك.. برأيك هل ترى في ولدك شيئاً منك ؟!.. انظر جيداً ودقق أكثر فهو يملك طفولة حلوة مثل طفولتك لكنك بالتأكيد تملك مستقبلاً مثل والديك!. لربما تستغربون اتجاه مقالي اليوم البعيد كل البعد عن السياسة ومشاكلها وآلامها ودهاليزها أو عن بعض الجوانب المختلفة من المجتمع ولكن زيارة قصيرة في هذا الشهر الكريم لدار المسنين يمكن أن تغير فيك كل شيء كان يمر في مخيلتك مروراً لا صوت له وتشعر أن الفرصة لازالت مواتية لك لتستدرك أمراً كنت تظن أنه لا يعني لك شيئاً ولكن نظرة واحدة لتلك الوجوه الطيبة يمكن أن تغير فيك كل شيء وتشعر بتقصيرك تجاه والديك والكبار سناً في عائلتك ولذا لا تجعل مهمة الإحسان لكل هؤلاء يقع على عاتق غيرك فأنت المعني بهذا كله وستجد عاقبة في كل هذا إما حسناً أو كرها وحينها لا يمكن للندم أن ينفع أو الرجاء بأن يعود الزمن للوراء لإصلاح ما أفسدته فإنني ناصحة لنفسي قبل أن أكون ناصحة لكم ولكن يمكن أن تعتبروها فضفضة فضت بها عقب هذه الزيارة التي لن تغادر مخيلتي فإن كان منهم مريضا ويستدعي العناية الطبية فإن منهم من اعتُبر عالة تقضي السكن بعيدا عن جو العائلة وكما تدين تُدان والدنيا دوارة صدقوني.