16 سبتمبر 2025
تسجيلثمة انزعاج يكدّر صفو الشارع العربي الطامح للتغيير بسبب تأخر انتصار الثورات والتعقيدات والتعويقات والملابسات المحدقة بعملية التحول، في دول كليبيا واليمن وغيرها، بعد أن تم حسم التغيير في تونس ومصر بصورة أسرع، وبطريقة ربما تكون أكثر سهولة وسلاسة، إذا ما قورنت بالتجارب التي تلتها. في ليبيا ألجأ النظام الشعب إلى الجنوح للسلاح لمقاومته بدلا من التغيير السلمي الذي طبع ثورتي تونس ومصر، ثم اضطره للاستعانة بقوات التحالف لفرض منطقة حظر جوي، بينما الأصل أن تكون العملية مقتصرة على الجهد الداخلي الشعبي دون الاستعانة بالأجنبي، وكل ذلك بسبب دموية النظام واستخدامه المفرط للقوة والأسلحة الثقيلة في مواجهة شعب أعزل. وفي اليمن يصر النظام على المراوغة حتى آخر لحظة، فيعد بالرحيل ثم ينقلب على المبادرات التي تسعى لترتيب رحيله دون مزيد من إراقة الدماء أو الخسائر في الأرواح والممتلكات، مستفيدا من الأوراق التي يلوّح بها للغرب (القاعدة والإخوان) طمعا في بقائه لمدة أطول على كرسي الحكم، رغم أنه يعرف أنه زائل لا محالة. ويمكن القول أن ما حصل في تونس إنما تم تحت "مفاجأة" التغيير، وما وقع في مصر إنما أنجز بفعل " صدمة" التغيير، وبعدها حاولت الأنظمة أن تتوازن قليلا أمام عاصفة التغيير القادمة، إما بتأخير وصول العاصفة إليها، أو بالاستعداد لمقاومة تأثيراتها ومجابهتها بكل ما أوتيت من قوة، وبكافة الأسلحة الأمنية والعسكرية والإعلامية والدعائية والدبلوماسية. لكن رغم المقاومة الشرسة التي تبديها بعض الأنظمة في مواجهة التغيير، والبطء الذي يطرأ على هذه العملية هنا أو هناك، فإن ما ينبغي أن يطمئن إليه شباب التغيير والجماهير المؤيدة لها أن هذه العملية ماضية بحول الله لبلوغ أهدافها، لأنها ترتبط بسنن المولى سبحانه، وتاريخ الأمم، لا يستطيع أحد مقاومتها أو الوقوف في وجه مدّها الكاسح، فللأمم والدول دورات في الصعود والنفوذ والانتشار والتمدد والقوة، ثم الانكماش والضعف والاندحار والزوال، والبقاء لفترة أطول في حكم الدول والشعوب يرتبط بالعدل والرحمة وخدمة الناس، بعكس الظلم والديكتاتورية والفساد التي عادة ما تقصّر في آجالها، لأن مراتعها وخيمة، ودوام الحال من المحال. ومع الإقرار بتشابه مسببات وظروف وبيئات التحولات الجارية في منطقتنا العربية حاليا فإن عمليات وتجارب التغيير قد لا تكون متشابهة أو متطابقة تماما، وبالتالي لا يمكن استنساخ نماذج سابقة في هذا المجال وتطبيقها في أماكن أخرى بنفس الشروط والطرائق، بل لابد من إدراك أن هناك خصوصيات تطبع كل تجربة من التجارب وظروفا ترتبط بها. إن إنجاز عمليات التغيير والتحول المتعلقة بالثورات العربية ترتبط بأمور متعددة لعل من أهمها حجم الضغط الشعبي ومدى زخمه وانتشاره وديناميكيته، وطبيعة ونوعية أدائه ودقة تنظيمه، وطول نفسه، ووحدة مواقف قوى المعارضة المؤيدة له من جهة، ومدى قدرة النظام على المقاومة والتشبث بالكرسي، وما يرتبط بذلك من تعقل في التصرف أو عنف في التعامل، وطبيعة الظروف المحيطة، والعوامل الخارجية ومواقفها من النظام من جهة أخرى. ما نود قوله هو أنه لا ينبغي أن يفترض الشباب والجماهير أن ما حدث من إنجاز في تونس ومصر، بالكيفية والسرعة اللذين تم بهما، سينطبق بالضرورة على الدول الأخرى التي تشهد حراكا في هذه الأيام، كما لا ينبغي أن يتسرب الوهن أو الإحباط إلى نفوسهم إذا ما تأخر التغيير أو تطلب الأمر مزيدا من الجهود والتركيز والتضحيات، فالأجور على قدر المشقة. إن ثورات التغيير بدأت تشكل عالما عربيا جديدا، لن يكون فيه اليوم كالأمس بحال من الأحوال، وقد بدأت رؤوس الأنظمة تعيد حساباتها، بعد أن انكسر حاجز الخوف لدى الشعوب، وانتشرت العدوى الحميدة للثورات والتغيير، ولم يعد بإمكان أي نظام أن يعيش بين دول تغيرت دون أن يغير في نفسه، أو يعيش وسط روح جديدة تسري في الأمة دون أن يحدث تغييرا في جوهر بنيته وهيكليته، وإلا سيجد نفسه منبوذا مدحورا. يا شباب وجماهير التغيير في عالمنا العربي.. في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها، اصبروا وصابروا ورابطوا، وثقوا بالله ربكم، واعلموا أن النصر صبر ساعة، وأنكم على موعد قريب من انبلاج الفجر، وأنه لا خوف بعد اليوم على مسيرة التغيير بإذن الله، و" يسألونك متى هو..قل عسى أن يكون قريبا ".