11 سبتمبر 2025
تسجيلتعرض الاقتصاد العالمي لهزات مختلفة في العقود الماضية، كان أكبرها على منطقتنا والعالم حرب الخليح وأزمة الرهن العقاري وحرب أوكرانيا وكوفيد 19 ونتائجه التي لازالت تعصف بكثير من دول العالم، لهذا أصبحت دول الخليج تفكر بشكل جدي في بناء اقتصاد مستدام ومرحلة ما بعد النفط. في إستراتيجية التنمية الوطنية الثالثة هناك تركيز على بناء نمو اقتصادي مستدام تعتمد على عدة محاور هي الطاقة والصناعة والتجارة، وتسعى الاستراتيجية لتحقيق عدد من الأهداف بحلول العام 2030 أن يكون متوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي ومتوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير الهيدروكربوني 4%. ومن أجل ذلك هناك رغبة في التوسع في التصنيع في الكيماويات، وفي المعادن ذات انبعاثات الكربون المنخفضة والتحول إلى مركز لإعادة تصدير منتجات عالية القيمة وتعزيز مكانة قطر العالمية في مجال النقل الجوي وربما يكون إفتتاح المرحلة الأخيرة من مطار حمد وتعزيز قدرات المنطقة الحرة بوابة لتحقيق ذلك. ولعل من الإيجابي لنا أننا نقع في منطقة متشابهة من حيث القدرات والجغرافيا والثقافة، وهي منطقة الخليج العربي بل وأوسع من ذلك بمحيطنا العربي والإيراني والتركي، والذي يمكن البناء عليه ببناء خطوط مواصلات ونقل وبنية لوجستية كبيرة، لكنها أيضا منطقة تتنافس اليوم بشكل كبير، برغبة التكامل، لكن مستقبل التنافس أكبر خاصة في قطاع السياحة والخدمات المالية والتكنولوجية التي تسعى أن تركز عليه قطر بشكل كبير في الفترة القادمة. ولعل من المحاور التي يمكن أن تنفرد بها قطر التعليم والصحة لتكون قطر وجهة تعليمية لمنطقة الخليج مثلا (الطلبة السعوديين يمثلون رقماً كبيراً جداً في أوروبا وأمريكا وإستراليا) أو تشجيع السياحة الطبية، وهي مقومات نملك جزءا كبيرا منها بحكم البنية التحتية الحالية الكبيرة. ومن الجميل أن الإستراتيجية الثالثة تركز على الترويج لقطر كمركز للتعليم العالي، وتطوير اختصاصات ناشئة بالاستفادة من الاستثمارات السابقة، وزيادة مشاركة القطاع الخاص بالإضافة لزيادة مشاركة القطاع الخاص وتطوير السياحة العلاجية، وبناء قدرات التخصصات بعيدة المدى مثل الطب الدقيق. ومن الملفت أن الإستراتيجية الثالثة شملت رؤية مستقبلية للإعلام، فقط ضمت رغبة في دراسة بناء تجمعات أخرى في المستقبل حول التقنيات الواعدة مثل التكنلوجيا الخضراء، وحول الأصول الوطنية مثل الإعلام والصناعات الإبداعية، ولعلنا في قطر لازلنا نتطلع للمدينة الإعلامية كمشروع كبير يجب أن ينطلق كما خطط له. هناك خطوات حددها واضعو الاستراتيجية لتحقيق ذلك منها تبسيط إجراءات الخدمات الحكومية المقدمة للشركات في جميع المراحل وتقديم إصلاحات تنظيمية هادفة لإزالة العوائق التي تواجه الشركات والمستثمرين ومواءمة المناطق الاقتصادية والإجراءات والحوافز المتعلقة بالاستثمار الأجنبي المباشر وتطبيق إجراءات تحرير الأسواق والخصخصة لدعم إنشاء التجمعات الاقتصادية المستهدفة وتحرير منظومة التجارة من خلال تبسيط إجراءات التخليص الجمركي، وتعزيز الترويج التجاري واتفاقيات التجارة الحرة وتعزيز قدرة القطاع الخاص على الوصول إلى مصادر التمويل، بما في ذلك الاعتمادات ورأس المال المخاطر وأسواق رأس المال وتزويد القطاع الخاص بالحوافز لبناء القدرات وتحسين الفعالية التشغيلية وتزويد القطاع الخاص بالحوافز لتوسيع نطاق الابتكار ومواصلة تطوير قدرات البحث العلمي في المجالات الإستراتيجية الأساسية وتحسين طرق الشحن التي تربط قطر مع الدول الأخرى، وتعزيز كفاءة البنية التحتية للخدمات اللوجستية، وقبل كل ذلك تعزيز إجراءات النظام القضائي والشفافية. إن تحقيق كل ذلك لن يتأتى بشكل كامل دون تعزيز آخر كلمة في الفقرة السابقة (الشفافية) في الاعتراف بالخطأ، في تغيير فوري للمسؤول الفاسد أو المتكاسل، في إصلاح فوري للخلل وما سببه من ضرر. إن بناء هذا النموذج يحتاج لتكاتف الجميع، ورغم ما سيلقاه من مقاومة داخل كثير من الجهات التي ستتنازع على الصلاحيات، لكننا نثق في تصريح سعادة الدكتور صالح بن محمد النابت رئيس جهاز التخطيط والاحصاء الذي أكد أن الجهاز سيلتزم بتطبيق إجراءات مشددة وفعالة لإدارة الأداء ومتابعة التطورات في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية 2024 - 2030.