30 أكتوبر 2025

تسجيل

مجتمع بلا قضية

30 يناير 2023

أفضل تعريف قرأته لمفهوم القضية العام هي أنها مجموعة من العوامل والأسباب التي تمثل اتجاها عاما تفرضه أفكار ونظريات معينة تمثل حجر الأساس والدوافع التي تضمن انتشارها وذيوعها، وعبر التاريخ رافقت القضية وجود الإنسان وكانت أول قضية قاتل الإنسان من أجلها هي البقاء والتفوق على سائر المخلوقات ثم انتقل إلى مرحلة أخرى عبر الزمن ليفجر كثيرا من الصراعات مع بني جنسه بعد تفوقه على سائر المخلوقات. للفرد قضية كما للمجموع قضية، في حين أن تبلور قضية للمجتمع ككل هي بداية الطريق الصحيح نحو الإنجاز. لماذا كل هذا التركيز على مفهوم القضية، لأنها ببساطة عندما تتبلور في ذهن المجتمع تجعل من جميع آلياته تعمل في الاتجاه الصحيح وبالفائدة المرجوة هنا يجب أن أحذر أن مفهوم القضية لا يعني الرأي الواحد والفكر الواحد هي بالضرورة تقوم على التعدد في الرأي والمعالجة ولكنها ترتكز على الاتفاق في التوجه والهدف. أن تكون للمجتمع قضية أمر هام يتفق على أهميتها الجميع عندئذ يصبح لجميع مفاصل المجتمع ومؤسساته دور هام ومثمر. نتساءل لم يزداد عدد الكتاب ويقل مردود الكتابة؟ الإجابة لعدم وجود قضية في المجتمع موضوع الكتابة، هناك مشاكل ومصاعب تحتاج إلى حلول ولكن تفتقد الاتجاه الذي يحولها إلى قضايا بالمفهوم السابق، عدم وجود قضية يعني عدم وجود رأي عام وإنما آراء فردية واجتهادات شخصية. الصحافة كذلك لا تكتمل من دون أن تحمل قضية تقوم على أساسها الصحيفة واتجاها تمثله. مجتمع لا يحتكم إلى القانون مجتمع بلا قضية، مجتمع ينمي ويزكي الولاءات الأولى مجتمع بلا قضية، مجتمع لا يشارك في تقرير مصيره مجتمع بلا قضية، مجتمع يقتل الاتجاهات والآراء وحرية التعبير عنها مجتمع بلا قضية، مجتمع يحارب الكفاءات مجتمع بلا قضية، مجتمع يعيش يومه على حساب غده مجتمع بلا قضية، مجتمع يقوم على الشكل لا الجوهر مجتمع بلا قضية، مجتمع يمايز بين أفراده تبعا للعرق والدين مجتمع بلا قضية، مجتمع يجعل من الرقابة والتحكم أساسا في قيامه واستمرار سلطته مجتمع بلا قضية. تبني قضية لأي مجتمع ليس بالأمر السهل عندما كان الاستقلال قضية استقلت دولنا العربية الواحدة تلو الأخرى وأثمرت الكتابة والشعر والأدب، عندما كانت الحرب قضية حارب العرب وانتصروا في 6 أكتوبر، ما نعاني منه اليوم هو افتقاد المجتمعات لقضايا تستطيع أن تشكل رأيا عاما أو كتلة تضع الأولويات، وافتقاد الأمة كلها كذلك لقضية تتحسس من خلالها وجودها والخطر المتربص بها. تشظى الوعي فى الجانبين وأصبح المجتمع يقوم على استمراره بتآكل بعضه البعض، والأمة لم تعد كذلك وإنما مجموعة أنظمة تتدثر بثياب الأمة. فأي محصلة للكتابة أو للأدب أو للمجالس الشعبية وإن انتخبت طالما أن القضية لم تعد قضية عامة وإنما قضايا أشخاص ومناصب تزول بزوالهم واختفائهم.