11 سبتمبر 2025
تسجيل"ضربت برجلها" (مصطلح شعبي يعني الإصرار والعناد)، وقالت لزوجها "ما علي منك والله ما تقعد في بيتي، الليلة تذلفها (تتخلص منها) وتسفرها بلادها"، وبهذه الكلمات البسيطة بدأت معاناة بوراشد، فأصبح بين مطرقة زوجته الصادرة للأوامر السامية والتي تعتبر غالبا نافذة وغير قابلة للمناقشة لمعظم المتزوجين، وبين سندان عواقب تنفيذ هذه الأوامر. حاول بوراشد احتواء الموقف وبدأ في جولات من المناقشات والمباحثات والمفاوضات آملاً تحقيق معاهدة صلح بين الزوجة والخادمة ولكن للأسف باءت جميع محاولاته بالفشل، فكما أن الزوجة "ركبت رأسها (أي عاندت)" كذلك الخادمة التي ما أن رأت غضب الزوجة وسمعت عن موضوع السفر حتى بدأت في البكاء والنحيب والإصرار على العودة إلى مسقط رأسها، لانه بلغ السيل الزبى ولا سبيل للتفاوض أو الهدنة مع الزوجة. أدرك بوراشد انه أمام موقف لا يحسد عليه، فعلاوة على "تسفير" الخادمة فعليه أن يوفر البديل المؤقت للقيام بالمهام والواجبات المنزلية خلال فترة استقدام عاملة منزل أخرى، الأمر الذي سيتطلب الكثير من الوقت قد يصل إلى ثلاثة أو أربعة اشهر إن كان محظوظاً. طلب بوراشد من زوجته بأن تهدئ من روعها ووعدها بأنه سيحاول إيجاد حلول مناسبة قدر المستطاع، وترك الخادمة في غرفتها تبكي وتحزم حقائبها استعدادا للسفر، جلس بوراشد في ركن بعيد من أركان المنزل وقام بالاتصال بمكاتب السفريات بحثاً عن تذكرة سفر بسعر مناسب للخادمة، وأثناء قيامه بذلك أخذ ورقة وقلماً وآلة حاسبة وبدأ في حساب تكاليف قرار الزوجة العنتري في "تسفير" الخادمة، فاكتشف أن أمامه عدة عقبات مالية تتلخص في التالي، أولا أن سعر تذكرة السفر سيتعدى ما نسبته 15 في المائة من راتبه الشهري لأنه لا يوجد الكثير من خطوط الطيران المنافسة فهناك شركة واحدة تقريباً تحتكر السوق وبأسعار خيالية، وثانيا وبما أن سفر الخادمة سيترك فراغا في أعمال المنزل اليومية لابد من ملئه ببديل مؤقت، فإذن هناك مصاريف عاملة مؤقتة سيكلفه حوالي ثلاثة آلاف ريال شهريا بمعدل 5 ساعات عمل يومياً، وأخيراً هناك تكاليف استقدام عاملة جديدة سيتطلب منه دفع ما بين 24 إلى 26 ألف ريال قطري، الأمر الذي سيعرض راتبه الشهري إلى كارثة مدمرة قد تؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في أركان ميزانيته المالية. انتهى بوراشد من عملياته الحسابية المعقدة التي أخذت منه الكثير من الوقت والتفكير والجهد، فحاول إعادة حساباته مره أخرى حتى يتوصل إلى حل وسط يضمن له انتهاء هذه الأزمة بأقل الأضرار، ولكن للأسف لم تسعفه مهاراته في علوم الرياضيات والجبر واللوغاريتمات والإحصاء النوعي والكمي في الحصول على نتائج مرضية ومقبولة لجميع الأطراف، فنتائج حساباته كانت تقوده إلى طرق مسدودة، فراتبه لا يستطيع أن يتحمل عواقب الكارثة التي حلت به، وليس لديه ما يكفي من المدخرات التي يمكن أن توفر له المبالغ المطلوبة، ولا يستطيع الاقتراض من البنك لوجود قرضي السيارة والمنزل اللذين يستنزفان راتبه مطلع كل شهر ميلادي. وبعد تفكير عميق في خلوته هذه توصل بوراشد إلى فكرة عبقرية ومجنونة وغير مألوفة في نفس الوقت يمكن أن تخلصه من هذا المآزق بأقل الأضرار، فاستجمع بوراشد قواه وذهب إلى زوجته الغالية والحبيبة وقال لها وعيناه تذرفان الدمع "لمي ثيباج وروحي بيت ابوج انتي طالق" ثم توجه إلى الخادمة وعرض عليها الزواج فوافقت بكل سرور وعدلت عن فكرة السفر. فحسابات بوراشد الأخيرة أظهرت نتائجها انه في أسوأ الأحوال سوف يدفع ثلث راتبه فقط كنفقة ثابتة للزوجة المطلقة وأبنائها، ولن تحتاج الزوجة الجديدة لخادمة فهي سوف تتكفل بجميع الواجبات المنزلية، وستنحصر مصاريفها بين تذكرة سنوية لزيارة أهلها وكرتون "اندومي" كل شهر. وفي الختام أقول: في الوقت الذي كتبت فيه هذا المقال كان المجتمع يعاني من مشكلة ارتفاع أسعار استقدام العمالة المنزلية، والتي وصلت إلى أسعار مرتفعة جداً، وخلال هذه الفترة انتشرت إشاعة بأن المتسبب الرئيسي في حدوث هذا الارتفاع هو الإجراءات الجديدة التي فرضتها وزارة العمل على مكاتب الاستقدام، ولكن بعد صدور قرار لجنة تعيين الحد الأقصى للأسعار ونسب الأرباح رقم (1) لسنة 2022 والذي عين الحد الأقصى لأسعار استقدام العمالة المنزلية تبين أن كل ما كانت تروج له بعض هذه المكاتب إنما هو مجرد أعذار واهية لكسب المزيد من الأموال من المواطنين والمقيمين على حد سواء، فكل الشكر لكل من شعر بمعاناة المواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة، وأتمنى من الجهات والهيئات الحكومية وشبه الحكومية الأخرى أن تحذو حذو وزارتي العمل والتجارة والصناعة في التفاعل مع آهات المواطن والمقيم. ملاحظة: بوراشد حالياً يقضي شهر العسل على شواطئ إحدى الجزر الآسيوية بعد أن سوى الراتب وتقاعد. @drAliAlnaimi