18 سبتمبر 2025
تسجيللم أتفاجأ كما فعل غيري من صعود القوى الاسلامية في أنحاء عالمنا العربي حيثما سقط الاستبداد واينما انهارت قواه، بل هذا متوقع وأمر طبيعي لمجتمعات ما قبل السياسة. المجتمع قبل السياسي هو بالضرورة ديني في رؤاه وفي تجلياته. الارضية السيسيولوجية للمجتمع العربي دينية تقليدية، لم تشهد تحولا سياسيا عميقا ينقلها من مرحلة التقليد الى مرحلة الابداع، استمرار القبيلة والطائفة والحزب العائلة كلها تمظهرات لشكل ديني سابق على العملية السياسية التي ترتكز على الفرد والبرنامج واحتساب الزمن والمدة، العملية السياسية عملية ذات زمن محدود ورؤية محددة وصلاحية مؤقتة فهي دائما في مرحلة تحول كبرنامج وكشخوص. هذا لم يتم خلال تاريخ الامة ولم يتحقق، فالمجتمع العربي لا يزال عذريا فيما يتعلق بمراحل ولادة الفعل السياسي المنظم بعيدا عن تأثيرات المرجعيات الاولية الحاكمة للقاع الاجتماعي والمسيطرة على فضائه الرحب. فهل كان من المتوقع أن يفوز الليبراليون مثلا في مجتمعات يقتصر فيها تعريف الليبرالية على شرب الخمر ونزع الحجاب؟ هل يمكن ان يفوز القوميون مثلا في مجتمعات ترى في القومية تضادا مع الدين؟ مجتمعاتنا لا تزال هي مجتمعات النشأة الاولى وهي بالضرورة دينية. يبدأ التاريخ بالدين أو دينيا ثم يتطور ليصبح منهجا سياسيا روحيا يخدم واقع المجتمع وتحولاته، السياسة تتفجر من داخل المجتمع لاسباب عديدة يجد المجتمع وضعه في حالة من التآكل الذاتي لذلك يسعى لإنقاذ نفسه من خلال اعادة ذاته على اسس جديدة غير تلك التي أوصلت الى مرحلة التآكل والانهيار، اذا هي صراع داخل مكونات المجتمع لا يدعي احدهما العصمة على الآخر. تحييد المطلق واطلاق النسبي، أرخنة الماضي وتحريك الحاضر، تنظيم في مقابل شمولية طاغية. يقال ان معاوية اول سياسي في الاسلام وان منهجه اول منهج سياسي في الاسلام كذلك، ولكن امتنعت السياسة بعد ذلك وتحولت الى نوع من تأليه للسلطة التي هي بالضروره مركز لإدارة العملية السياسية وليست كل العملية السياسية، لذلك اصبحت السلطة هي السياسة، فما يتساقط اليوم هي السلطة السياسية وليست السياسة كفن لادارة الحكم ومنهاج لتداول السلطة. فلا يزال المجتمع العربي مجتمعا سابقا على العملية السياسية الا أنه غير سابق على السلطوية السياسية. ما نشهده اليوم من صعود للقوى الدينية أمر كما قلت طبيعي ومتوقع ولا بديل عنه في الوقت الراهن. فلا بأس على شرط ان يدخلوا سياسيا في ادارة المجتمع وبرامجيا في تنفيذ خطط الاصلاح والتنمية فالمجتمع العربي بأغلبية متدين وهو لا يحتاج اليوم الى مزيد من الدين بقدر ما يحتاج الى ادارة شؤونه واوضاعه بما يتناسب مع تدينه، يحتاج كذلك الى الامن والعدل لكل فئاته واقلياته، نريد ان نخرج من ثنائية تديين السياسة أو تسييس الدين بشكل يجعل من المواطنة شعارا جامعا لما خلقنا الله عليه من اختلاف. [email protected]