19 سبتمبر 2025

تسجيل

الفوز وأخلاق الرياضة

30 يناير 2019

لستُ قريباً من الرياضة، ولكن ما أن يلعب المنتخبُ القطري، أقوم بتنظيم جدوَلي، بحيث لا تفوتني ولا مباراة يلعبها الفريق، حتى لو كنتُ خارج الوطن. وأعتقد أن الرياضة، شأنها شأن الثقافة، أخلاقٌ وفنٌ وإبداع، وما أن تخرج الرياضة من هذا الإطار، وتلتحق بركبِ السياسة، فإنها تتحول إلى ذراع للكراهية والبَغضاء والعُنف. والروح التي أبداها مُنتخبنا الوطني، خلال بطولة كأس آسيا 2019، المقامة حالياً في الإمارات، تستحق منا التقدير، لأن هذا المنتخب نسخة جديدة وقادرة على تحمّل المسؤولية. ونتمنى لهذا المنتخب مواصلة طريق الفوز بعد أن حقق الانتصار الباهر على منتخب الإمارات في مباراة الأمس بأربعة أهداف نظيفة، رغم ما قام به بعض جمهور الإمارات من تصرفات لا تليق بروح الرياضة في مباراة أدّاها الفريقان بروح رياضية عالية. وسجّل منتخبنا الوطني بطاقته على منصة التتويج في المباراة النهائية أمام اليابان، ولا ضير أن نأمل أن تصل كأسُ البطولة إلى الدوحة. ولعبة كرة القدم دوماً يفوز فيها فريقٌ واحد، ولا يجوز للفريق الذي يخسر أن (يزعل) أو يحتجّ أو يتألم، فكهذا صيرورة الحياة، هنالك فائزٌ وهنالك خاسر، ولقد قامت جميع الرياضات على قبول الخسارة في المقام الأول، رغم الاحتفاء والاحتفال لدى الفريق الفائز. كما أن المسؤولية الأخلاقية لإدارييّ كرة القدم تُحتّم – حسب اللوائح والقوانين الدولية – أن يكونوا على مستوى المسؤولية، وأن يُعوِّدوا الجمهور على قبول الخسارة، لا أن يساهموا في تأجيج المواقف، أو مساعدة الانفلات الذي يحدث في أرض الملعب، لإفشال أية دورة رياضية، وإحراج الدولة المستضيفة. ولقد استوقفتني – خلال هذه الدورة – وقوفُ المواطنين العُمانيين خلف المنتخب القطري، في لوحة تُجسّد معاني الأخوّة والمحبّة التي تربط الشعبين العُماني والقطري، مضيفة – تلك المعاني – إلى المواقف المشرّفة التي وقفتها سلطنةُ عُمان تجاه دولة قطر، بعد الحصار الجائر على دولة قطر، وقبل ذلك، من مواقفَ عادلة وشجاعة أكّدت نُبلَ القيادة العُمانية، وحصافةَ السياسة الخارجية للسلطنة، وسعيها الواقعي والمتزن لترسيخ التعاون بين دول مجلس التعاون. أيضًا استوقفني – على النقيض – موقفُ بعض الإعلاميين الذين ظهروا على الشاشات وعلى وسائل التواصل في دول الحصار، وربطوا فوزَ المنتخب القطري، والذي لم يخسر أية مباراة حتى الآن، بأُطرٍ بعيدة عن روح الرياضة، وقرنوا صوراً للمسؤولين القطريين بعبارات غير لائقة، لا على المستوى الرياضي ولا على المستوى الأخلاقي. وتم تحريض الجماهير في الملعب على التعرّض لقطر، في صورة همجية، تنمّ عن كراهية وبُغض، لم يشهد تاريخ الخليج لها مثيلاً، ويُشكِّل ذلك خروجاً بائناً على أخلاق الرياضة، وعلى طبيعة العلاقات بين شعوب الخليج العربي، بكلِّ أواصرها التاريخية والعائلية والثقافية. وزاد في ذلك حوادثُ مضايقة اللاعبين القطريين، واحتكار تذاكر المباراة، وكذلك الشيلات الساخرة التي مسّت قطرَ وشعبَها، والتلويح بقضية التجنيس، التي موجودة في أقدر الفرق العالمية، وهذه تصرفات لا تخدم الرياضة، ولا تؤسس لمجتمع يؤمن بالآخر، ويسعى لإسعاد الجماهير الرياضية، وبث روح المحبَّة والخير في نفوسهم. ونحن إذ نستهجن هذا الأسلوب الرخيص في التعامل الإعلامي مع دورة رياضية هدفها تعارفُ الشباب، واستفادةُ بعضهم البعض من تجاربهم، بالإضافة إلى إمتاع الجمهور بلعب إبداعي راقٍ، يُدخل البهجة إلى قلوب الجماهير، فإننا ندعو كلَّ الرياضيين والمعلقين إلى مخافة الله، والتمسك بالقيم الإعلامية السامية، ومن أهمها نقل المعلومة الصحيحة، دونما تدليسٍ أو تحريفٍ أو تحريض، وعدمُ بثِّ الكراهية بين شعوب الخليج العربي، عبر إدخال الرياضة في غياهب السياسة، والتفنُنِ في خلق الأكاذيب وتشويه صورة الآخر، لأن هذه الأفعال ليست من الإعلام النبيل، كما أنه ليس من الإنصاف أو الكرامة الإنسانية أن يستغفل الإعلامُ عقولَ الجماهير، التي تشاهد المباريات، وتستطيع الحُكمَ على المواقف، بل إن هذه العقول تكشف أصحابَ الأفواه والأقلام « المُشتراة». نتمنى أن يفوز فريقٌ عربي في كأس آسيا 2019، ولن (نزعل) أو نغضب إن فاز فريق غير المنتخب القطري، وفي الوقت ذاته، فإن الأخوة العرب الآخرين، يجب ألّا (يزعلوا) أو يغضبوا إن فاز المنتخب القطري، وهذا هو الشعور الأخوي والإنساني الذي يجب أن يسود ملاعبَ كرة القدم، وجميعَ الميادين الأخرى، الرياضية منها والثقافية والفنية. إن الرياضة والثقافة والفن من الوسائل التي تُقرّبُ الشعوب، وتُزيلُ ما يَعلق بها من مضار السياسة، وعلى الشباب الخليجي والعربي ألا يخلط الأمور في هذه المسألة، فالفريق الجيد والمؤهل يستحق الفوز، دون النظر إلى البلد الذي جاء منه، تماماً كما هي المسرحية الجيدة، والرواية الجيدة، والقصيدة الجيدة. ولعل كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى خير دليل على خصال أهل قطر، إذا قال على حسابه في الانستغرام: «مبروكين يا شباب على الفوز.. فرّحتونا». وأيضاً كانت لسموه تغريدةٌ في تويتر تقول: « مبروك لمنتخبنا الوطني هذا الإنجاز الرائع وصعوده إلى الدور نصف النهائي في بطولة آسيا، متمنياً لأبطالنا مواصلة هذا العطاء والأداء المتميز حتى نهاية البطولة». هكذا يكون تشجيعُ الفريق، كلماتٌ راقيةٌ وعاقلة، وبعيدةٌ عن الألفاظ التي لوّثت السماء الخليجية خلال دورة كأس آسيا 2019، والتي أتت من الإعلاميين في الفضائيات والصحف، إضافة إلى الذباب الإلكتروني، الذي ابتعد عن روح وأخلاق شعوب الخليج، وأظهر روحاً تحريضية لا تليق بسمعة الرياضة ومبادئها. ولئن حرَمَ حصارُ دولة قطر مُشجعيّ منتخبنا الوطني من حضور الدورة، وهذا أمر مؤسف، فإن إجراءات تعطيل المشجعين العُمانيين على الحدود، ومصادرة الصور والأعلام القطرية، هو أيضًا أمرٌ محزن، كنا نتمنى من مسؤولي الرياضة في الدولة المُنظِّمة مراعاةَ حقِّ المشجعين العمانيين في إدخال الصور والأعلام. في الوقت الذي نشكر ونهنّئ فرقة موسيقى الجيش العماني على المقطوعات التي عزفتها تحيةً لشعب قطر، وهذا موقف نبيل وشريف ننحني له احتراماً. مرة أخرى مبروك لمنتخبنا الوطني الذي أفرح جماهيره.