30 سبتمبر 2025

تسجيل

كيمياء الخير وسعادة التطوع

30 يناير 2013

لا ينعكس عمل الخير أو التطوع لصالح خدمة الناس والمجتمعات، سواء أكان بالمال أو الجهد أو الخبرة، على المسلم الذي يقوم بذلك في الأجر والمثوبة من الله، وما أعدّه الله لعباده في الدار الآخرة من مكانة عالية، ومنزلة رفيعة فحسب، بل لذلك آثار طيبة على حياته في الدنيا، بركة في رزقه وعمره وذريته، وسكينة وسعادة وراحة في نفسه، وحفظا له من الأهوال والمهالك والأسقام ومصارع السوء.. هذا ما تشير إليه آيات قرآنية، وأحاديث نبوية هي محل يقين المسلم، وقصص موثّقة من التاريخ والقريب والبعيد، وتجارب شخصية للذين يمشون في دروب الخير، في وقتنا الراهن، كما أكدته دراسات علمية في المجالات الطبية والصحية والاجتماعية والنفسية، وجماع ذلك قول المولى سبحانه: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". وفي سبيل الدفع بقوة باتجاه غرس قيم العمل التطوعي، وحثّ الناشئة والشباب على الانخراط فيه، وتعزيز هذه السلوكيات لديهم، فضلا عن تقفي خطاه لدى بقية الشرائح العمرية، فإن التأكيد على آثار العمل الإنساني والإغاثي والخيري الطيبة على الإنسان في حياته الدنيا، يعدّ أمرا مهما للغاية،إلى جانب الحديث الأجر الآخروي بالطبع، لأن ذلك من شأنه أن يقوّي الحوافر للسير قدماً في هذا الركاب، ويعزز من الاستجابة لدعواته، ويبعد عن نفسه أي شح قد يمنعه، أو تعب قد يؤخّره، فالفائدة سريعة وملموسة ومحسوسة بإذن الله. وسنكتفي في هذه العجالة في عرض إشارات عاجلة للآثار الدنيوية الطيبة التي تصيب الذين يتطوعون بأموالهم وأوقاتهم وجهدهم وعلمهم في خدمة وإسعاد الآخرين ممن حولهم، والتخفيف من معاناتهم وتقديم العون لهم، وتنمية المجتمعات المحيطة بهم، وفعل الخير بأبوابه الواسعة، بدءا من التبسم في وجه عباد الله، وإماطة الأذى عن الطريق، وليس انتهاء بالبذل والإنفاق في سبيل الله، ومنها: ـ سبب لحصول البركة: قال صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". ومنها البركة في العمر والزيادة فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم:: "صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيْدُ فِي الْعُمرِ.". ـ الوقاية من البلايا والكروب والأسقام: قال صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة". ـ علو شأن أصحاب الخير والمعروف: لقوله صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة". ـ تكفير الذنوب والخطايا، ومحو السيئات: لقول الله سبحانه: "إن الحسنات يذهبن السيئات". ـ إدراك أجر من يفعل الخير: فمن يفطِّر الصائم له مثل أجره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من فطَّر صائماً كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء"، ومن يدل على خير له أجر من يفعله، لقوله عليه الصلاة والسلام: "الدالّ على الخير كفاعله". ـ ومن القصص الصحيحة التي تشير إلى ذلك، قصة السحابة التي أُمرت بسقي بستان رجل بفلاة، والسبب تصدقه بثلث خراج أرضه للفقراء والمساكين كل موسم، والصخرة التي سدت الغار على ثلاثة أشخاص بداخلها، ثم خرجوا منها بعد دعائهم للمولى بصالح الأعمال، كبرّ الوالدين وأداء الأمانة. ـ وأخيرا نشير إلى بعض الدراسات والتجارب التي تدعّم الآثار الدنيوية الطيبة للتطوع وعمل الخير ومنها: ـ تصريح باحثين أمريكان بأنه لو كان بالإمكان وضع التطوع في حبة دواء لكانت الأكثر مبيعا ؛ إذ أنه يزيد الإنسان سعادة وصحة وعمرا، وأكدوا أن الأشخاص الذين يعملون بإخلاص لمنفعة الآخرين وخدمتهم دون مقابل يشعرون بالسعادة والصحة، حتى أن فترة حياتهم تصبح أطول. ـ بعد عرض أحد علماء النفس في إنجلترا فيلما على طلبته عن أعمال الخير تجاه المرضى الفقراء، وتحليل لعاب المشاهدين له، تم الكشف عن زيادة واضحة في بروتين المناعة "أ" في لعاب الطلبة الذين يشاركون في خدمة الفقراء والمرضى، وهذا البروتين مضاد حيوي يلعب دورا في تغلب الجسم على الميكروبات التي تصيب الجهاز التنفسي. ويؤكد العلماء المتخصصون بالطب النفسي أن أعمال الخير يمكن أن تعود على الجهاز المناعي للجسم بعظيم الفائدة، حيث يرتبط الجهاز المناعي للجسم مع حالة الاستقرار النفسي برباط وثيق. وتبين لهم أن أداء الأعمال الخيرة لصالح الغير من دون مصلحة منتظرة يعجّل بشفاء المريض، ويساعد على التئام جراحه النفسية والجسمية. ـ لاحظ بعض الأطباء تأثير الابتسامة في الشفاء، وبالتالي بدأ بعض الباحثين بالتصريح بأن ابتسامة الطبيب تعتبر جزءا من العلاج، ولعل هذا يذكرنا بأن الابتسامة واحدة من الصدقات التي حضّنا عليها ديننا الحنيف. بناء على كل ما سبق نقول: جرّبوا كيمياء الخير في حياتكم، واستشعروا سعادة وراحة التطوع في دنياكم، بانتظار ما سيعدّه الله لمن وفقه الله منكم لسلوك هذا الدرب، من أجر ومكانة في الآخرة.