12 سبتمبر 2025
تسجيلفي الوقت الذي كان يتابع فيه المشاهدون في العالم العربي أحداث تونس ومصر مؤخرا على قناة الجزيرة لحظة بلحظة، ووسط معاناة الحظر التي واجهتها القناة على المستوى العربي الحكومي بالتشويش والقطع والإيقاف من قمر النايل سات، لم يكن المشاهدون في الغرب يدركون ما يحدث إلا نقلا لقنواتها عن قنوات محلية حكومية في مناوئتها للجزيرة أو من موقع تويتر والفيس بوك، وسط حجب الجزيرة وتجاهل تغطية الثورة الشعبية أو تغطيتها بصورة غير موضوعية.أو تصويرها على أنها مجرد "أحداث شغب"، رغم أنها ثورات "شبابية" شعبية عاصفة تطيح بحكام وتحصد كغيرها خسائر إلا أننا لن نطلق عليها إلا اسم القوة الأممية الناعمة طريقها طريق الحرير حتى عندما نسجت أهميته دودة القز منذ القرن الأول قبل الميلاد وحتى القرن التاسع عشر الميلادي من الصين وحتى البحر المتوسط حتى عند هذا الممر الطبيعي العالمي المسار شكلا للتجمهر الاجتماعي الأممي. أما نفوذ طريق الحرير الجديد الذي نسجته دودة قز القرن الحادي والعشرين "الإعلام ووسائطه المتعددة" تلك الثورة التكنولوجية التي أذكت الثورات الشبابية ولكنها لم تخلق حربا مدمرة جائرة أسمتها "حرب على الإرهاب" أو "حرب الديمقراطية " أو " أم المعارك" كفرض ديمقراطية مضرجة بالدماء كما في العراق، لإسقاط حاكم وخلق حكومات جديدة متشرذمة تفوح منها رائحة الجثث عن بعد وتهدر مكتبات ومتاحف وتراث غير مادي في غزوات مغولية همجية. بل ثورة ناعمة خرجت وغذيت عبر أسلاك البرودباند والفايبر اوبتكس اخترقت عباب البحار وموجات الميكرويف في رسم طريق حرير جديد للتواصل بين الشعوب لم يفطن له من قبل لا فاسكو دي جاما ولا الملاح العربي احمد بن ماجد. لنجد أنفسنا ننزلق بسلام في ممر هو رهن تحالف أممي فريد عبر ملاحة جديدة في وسائط ووسائل إعلامية لا تعرف الحواجز اسمهوها عصافير "توتير" او فيس بوك لتخرج نتائجها سلمية حتى لو حصدت بعض الأرواح بأقل الخسائر، فلا ثورة دون ضحايا. ولأن الحرير طريق قديم متجدد لا يعرف الاحتكار، فإنك تنزلق بسلام اليه في أي مكان كنت، لا تحتاج فيه الى أرجل أو عجلات بل فقط الى لغة ومعرفة بأولويات وأبجديات الاستخدام التقني. جمعة الغضب ولظرف لم يكن حظي أن أتابع الجزيرة الإخبارية ولا الجزيرة مباشر ولا السي ان ان او فوكس رغم أني في ديارها، وقتها شكرت تويتر ومرتاديه فانه بات يشكل أقوى تغذية إخبارية لنا، كما برز هو والفيس بوك كأدوات برمجة وتواصل وتخطيط وتجمهر بين مستخدميها، المهم ان المثل القائل قديما "كل الطرق تؤدي إلى روما" قادت إليها وسائط الاتصالات الحديثة دون خرائط ماركو بولو. ومع أهمية ونفوذ تلك الوسائط نجد مفارقة غريبة على الإعلام الغربي وخصوصا الأمريكي الذي خرج من رحم وادي السيليكون أن يستكثر على شبكة الجزيرة الانخراط في طريق الحرير الجديد ونعتها بالمشاكسة ووصفها بمؤجج عدوى التمرد من عاصمة إلى أخرى كما جاء في النيويورك تايمز يوم الجمعة. الجزيرة لم تكن إلا أحد بل أهم الوسائل العالمية التي قطعت طريق الاحتكار القطبي الذي شكلته الآلة الغربية في صناعة الإعلام، ولكنها بموضوعية لم تغلق باب أحد أو تقطعه خصوصا وان مفهوم صناعة الخبر معروف ومتداول لدى الإعلاميين القدماء والجدد في مدارسه وليس نسج خيال الجزيرة فكلمتا "News Making " و"News Reporting " مختلفتان في مدى تدخل الرأي والتحليل وسياسة القناة في الأولى عنها في الثانية، وان كان عرض هذا وذاك يرجع لقرار سياسة كل قناة نقلت عن أو من، أو نقلت ماذا ولماذا ومتى وأين؟، المهم ان الأخلاقيات الإعلامية مستوفاة سلفا، فالجزيرة لم تصنع حدثا وهميا، ولم تفْترِ لا على التاريخ ولا على الجغرافيا بل هي كغيرها في نظريات وممارسات الإعلام لها الحق في إلقاء الضوء وممارسة حق التفسير، التحليل وعرض الرأي، بل والإفادة من وسائط التواصل الجماهيري التي افرزها الانترنت في التغذية المباشرة. فلن تنجح الجزيرة ولا حتى غيرها من قنوات فضائية وسط موجة التقنيات العارمة إذا قدمت أقل من ذلك لأنها لن تجاري الركب ولكنها ستتخلف إذا لم تشق طريقا جديدا، بل ربما أسلمت ثورة الحرير أهل الجزيرة إلى خلق لـ "الجزيرة بوك" على غرار أدوات التواصل الاجتماعي الالكتروني لتضيفه لمملكة الشبكة المتطورة يوميا. فما يستنكره البعض اليوم على الجزيرة ينشر على الفيس بوك والتويتر واليو تيوب باختلاف طرق الاعلام طبعا، فالجزيرة ناقلا حرا لصوت وصورة مباشرة لما يحدث بمسمى "Breaking News " وفي التواصل الاجتماعي هي "Trending Topics" ومع ذلك لم تعامل الأدوات على أنها مولدات للثورة أو مؤججا لها وإلا لخاب أمل مارك زوكربيرج مؤسس الفيس بوك وهو الواصل بنجاح بالغ الى المليار مستخدم، ولخاب كل من إيفان ويليامز” و“بيز ستون” مؤسسي تويتر وهما من يسعيان للوصول لمليار مستخدم، وهما مجتمعان من ترتبط بهما الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام العام والأفراد للتواصل كل في حسابه الخاص. الثورة الاتصالية التكنولوجية الأممية عالمية ومجانية وطريقها سهل ميسور خلقت تحديا بل وعرّت الأنظمة " عفوا ليس العربية فقط بل حتى الأنظمة الغربية " التي تريد للتعبير وحريته مقاسا مفصلا وطريقا انتقائيا في زمن وضعت أدوات التواصل الاجتماعي على الانترنت السياسة في محك رهان شعبي واجتماعي يغلي. واذا كان المصطلح العالمي للانترنت هو الشبكة العنكبوتيه بما يحمله في خيره وشره من أدوات التواصل والتعبئة الشعبية الشبابية وان خشينا قبل مغبة شره الفضائحي الإباحي على الشباب الذين وجهوه في الحق اليوم، فإن طريق الثقافة والمعرفة والحشد والتأييد الجديد بين الأمم طريق عالمي أممي لم يعرفه بره وبحره وجوه أو مدرعاته من قبل... إنها الثورات الناعمة للجيل الجديد — وإن صح لي التعبير — " طريق الحرير" بين الأمم الذي حقن الدماء وهذا ما يجب أن يدركه من يرددون: كفى كفى الجزيرة "انت مشاغبة". كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com