16 سبتمبر 2025
تسجيلعلى بُعد أربعة أشهر من الاستحقاق الانتخابي الذي تصر السلطات اليمنية وحزبها الحاكم على إجرائها في موعدها في ظل خلاف كبير مع المعارضة، ثمة مخاوف جدية، من أن تقسِّم المقسَّم في هذه البلاد ـ أصلا ـ، على مستوى مواقف قواها ومكوناتها السياسية، وتركيبة نسيجها الاجتماعي، وأن تصب الزيت على نار التهديدات التي تواجهها ـ قبل ذلك ـ على مستوى استقرارها وأمنها ووحدة أراضيها. في البيئات الديمقراطية الحقيقية ـ لا الشكلية ـ والسليمة التي لا تعاني من العلل يفترض أن تسهم العملية الانتخابية في استقرار البلاد وإصلاحها السياسي والاقتصادي من خلال إتاحة الفرصة للتغيير والتداول السلمي للسلطة وإفراز الأصلح من القوى السياسية لإدارة دفة البلاد وفق برامج ينحاز الناخبون إليها ويصوّتون لصالحها. لكن يبدو أن القاعدة في ديمقراطياتنا العربية مختلفة تماما، فقد تسهم الانتخابات ـ مثلما هو الحال في المشهد اليمني ـ في تأجيج الخلافات وتباين المواقف وإذكاء الصراعات السياسية، مما يدفع للتساؤل عن الجدوى من الاندفاع وراء إجرائها طالما أن ضررها قد يتجاوز نفعها بكثير. لنتأمل المشهد اليمني، فبالنسبة للمعارضة الممثلة في مجلس النواب والتي ليس لها موقف يمنعها بشكل مبدئي من دخول الانتخابات البرلمانية ونقصد " أحزاب اللقاء المشترك" وأهمها أحزاب: التجمع اليمني للإصلاح والاشتراكي والوحدوي الناصري والتي تتمتع بقاعدة شعبية معتبرة، فإنها ـ كما يبدو ـ لن تقف مكتوفة الأيدي للقبول بذهاب الحزب الحاكم إلى صندوق الانتخابات منفردا على طريقته، فكتلها البرلمانية بدأت بالاعتصام خارج مجلس النواب بعد أن علقت الشارات البرتقالية، وهددت بـ " سلسلة من الإجراءات التصعيدية" حتى "الالتحام بالجماهير في المحافظات"، ودعت أنصارها وشركاءها والجماهير اليمنية ـ بموازاة ذلك ـ إلى "أهبة غضب شعبية متواصلة وشاملة "، وذلك ردا على إقرار كتلة الحزب الحاكم في البرلمان لقانون انتخابات مثير للجدل، وتشكيل السلطات اليمنية للجنة عليا للانتخابات مكونة من تسعة قضاة جميعهم من الموالين للحزب الحاكم. كما قابلت المعارضة دعوة الرئيس علي عبدالله صالح ـ بعد ذلك ـ لتشكيل حكومة وحدة وطنية برفض تام، واعتبرتها بمثابة "مزايدة سياسية لا قيمة لها". أما على مستوى القوى الأخرى غير المنخرطة في العملية البرلمانية والتي تدخل في مواجهات عنف أو حروب ومواجهات مسلحة مع الدولة، فإن الأمور أشد قتامة على مستوى الانقسام والمخاطر المرتبطة بإجراء الانتخابات نفسها، فثمة قناعة أن مناطق واسعة في الجنوب اليمني ستقاطع الانتخابات القادمة، سواء مضى إليها " المؤتمر الشعبي" منفردا أو معه أحزاب المعارضة، كما صرح بذلك رئيس اليمن الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد وغيره من قيادات وأنصار " الحراك الجنوبي"، وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك من المراقبين السياسيين ممن يذهبون إلى أن هناك تحديات ستواجهها الدولة في بعض المناطق الجنوبية من البلاد، بخاصة في ثلاث محافظات هي لحج، الضالع وأبين، حيث لا يزال التوتر على أشده بين الجانبين، فضلاً عن موقف "الحراك الجنوبي" المعارض لإجراء انتخابات في مناطق الجنوب عموما، ويشيرون إلى أن السلطات قد تجد صعوبة مماثلة في الدخول إلى "المناطق التي يهيمن عليها الحوثيون في صعدة وبعض مناطق محافظة عمران والجوف، أو على الأقل إجراء الانتخابات فيها في أجواء طبيعية من دون أية مشاكل قد تحدث هنا أو هناك". وعلى نحو متصل فإن تنظيم "القاعدة" لن يألو جهدا في فعل كل ما يستطيع لإفشال الانتخابات بغض النظر عن قدرته على ذلك من عدمه. إن إصرار النظام اليمني على إجراء الانتخابات اليمنية على طريقته رغم وقوف جلّ التكوينات السياسية ـ باستثناء الحزب الحاكم ـ متحدة ضدها اليوم سواء من يؤمن منها بخيار النضال السلمي أو من لا يؤمن به، يعبر إمّا عن مغامرة غير محسوبة لهذا النظام فوق ما تعانيه اليمن من تمزق بسبب الحروب والصراعات، مأخوذا بنشوة مؤقتة ومحدودة تمثلت بنجاحه في تنظيم بطولة ألعاب رياضية وضبط إيقاع الأمن رغم التخوفات التي ارتبطت باحتمالات وقوع حوادث مقلقة للسكينة العامة أثنائها، وراغبا في تحقيق نجاح (ديمقراطي أمني) مماثل بغض النظر على ملابساته وحقيقته وأثمانه، أو مقتديا بما قام به النظام المصري قبله، ومرتاحا للنجاح الزائف الذي بدا أن الأخير حققه ضد معارضيه، أو مكتفيا بالركون إلى غطاء الدعم الدولي له، ومشتريا الصمت الغربي المتوقع عن مجريات هذه الانتخابات القادمة بغض النظر عن شفافيتها، مقابل استمرار قيام صنعاء بمتطلبات الحرب على الإرهاب ضد القاعدة، وجعلها في صدارة أولوياتها، والسماح لعمليات أمريكية على أرضها أكدتها وثائق ويكيليكس التي تم الكشف عنها مؤخرا، أو مراهنا على انقسامات المعارضة ـ وتحديدا في الجنوب ـ.. وكل ما سبق لا يستند إلى دعائم قوية وركائز متينة ويترك موضوع الانتخابات في الشهور القادمة في مهبّ المفاجآت والتوقعات المقلقة، باعتبارها من أكثر الدورات تأزما واستقطابا للمواقف.