15 سبتمبر 2025
تسجيلحسن الظن بالآخرين يدل على صفاء الفكر ونقاء السريرة وسمو النفس بل إنه مؤشر للإخلاص في القول والعمل ويفضي حسن الظن إلى استنتاج الحلول بأريحية تسهم كذلك في ترسيخ الطمأنينة وحينما تنتقد شخصاً ما فإنّك حتماً ستبرز ما يشير إلى أوجه القصور في هذه الناحية، وفق سياقات موضوعية ويبيت حسن الظن وسوءه مؤشراً لسلامة النية أو عكس ذلك، فيما يكون القصد وعدمه محور ارتكاز البت في المسائل التي يتم من خلالها إصدار الحكم، غير أنّ النقد الموضوعي المتزن يراعي جميع الجوانب المحيطة، ذلك أنّ القفز على النقد طبقاً لانفعالات وتشنُّجات تشي بضبابية الموقف تبعاً لانتفاء تحري الدقة حتماً سيصادر الهدف، لأنّ التحليق على هذا النحو لا يفتأ أن يجهز على صيغة الحوار وبالتالي فإنّها ليست حواراً بقدر ما تكون محاكمة لفظية ينسج منها التعجُّل أنماطاً استعدائية لا تعدو أن تكون استفزازاً في ظل غياب الأدلة والبراهين، وهذه معضلة الخلط بين الأمرين، وإذا كان النقد هدفه التصحيح والإصلاح والإشارة إلى مكامن القصور وفق سياقات منطقية مقنعة هدفها وضع الأمور في نصابها فإنّ السبيل إلى ذلك يتطلّب التحلِّي بروح الحوار وأدبياته لا القفز عليه ومجرياته، فيما يبرز حسن الظن كوشاح أدبي أخاذ، يأسر القلوب بصفائه ونقائه في تجرُّد مُنصف يدرأ الوقوع في الزلات، ومن أخطر الزلات وأقبحها زلة اللسان.ويستسهل البعض إطلاق الكلام على عواهنه، ولا يسهم في التفكك والتنافر غير ترسيخ التصنيفات المؤذية والموجعة في ذات الوقت ولا يعلم ما في السرائر إلا علاّم الغيوب والعقول السليمة أكبر من أن تستدرج نحو غياهب الفتن، ورغم أنّ الاختلاف بين الفرقاء والمثفقين على الهدف والأصول الثابتة، تجد صيغة التضخيم في بعض الجزئيات أو بالأحرى التفريعات، في حين أن الوصول إلى أرضية مشتركة لن تكون بإذن المولى صعبة المنال، متى ما أضحى صدق النوايا مرتكزاً تتكئ عليه الحوارات بهذا الصدد بلوغاً إلى الصيغ المنطقية والمقنعة طبقاً للانسجام وتفهُّم دوافع كلّ طرف بما يحقق المصلحة العامة، فقد تكون الرؤى من زوايا مختلفة، لذا فإنّ تلاقح الأفكار وبلورتها من خلال الرؤية الشاملة لما يمكن أن يتحقق من نفع للبلاد والعباد من الأهمية بمكان، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنّ المبالغة في الحذر والتوجُّس خيفة على نحو يكرِّس نهم الاختراق والهيمنة ستكون ممراً سهلاً يصعب السيطرة عليه والتحكُّم في أبعاده لاسيَّما وأنّ وسائل الاتصال باتت لاعبا مؤثراُ (ويؤتى الحذر من مأمنه) وللارتقاء بالمستويات الفكرية على نهج يعزز الصلابة من جهة، والثبات على المبدأ من جهة أخرى فإنّ أول خطوة إيجابية في هذا السياق هو نبذ التنافر والارتقاء في التعامل من منطلق الإحساس الصادق ومن خلال بناء تصوُّرات صادقة وخلاّقة في النهوض لمواكبة التطوُّر في ظل تمسُّكنا بمبادئنا الصلبة والمؤثرة في ذات الوقت، فيما تتيح المرونة حيال التعاطي مع المسائل المختلفة مساحة أكبر لاستيعاب وجهات النظر بإنصاف يؤسس لبلوغ أرضية مشتركة، من هذا المنطلق فإنّ الإدراك الكامل ووضع النقاط على الحروف أمسى مطلباً مُلحاً ومن ذلك تفهم الأطراف لهذه المعادلة فديننا دين الوسط والاعتدال، قال نبي الهدى عليه أفضل الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار) فإذا كان ما سيأتينا أو نأخذ به يحتوي على مضرة لنا فلا حاجة لنا به، ولن نقبل كذلك الضرر لأنفسنا جرّاء ترك المصالح التي تعيننا وفقاً لخوف مبالغ فيه أو توجُّس مضطرب يفوِّت علينا الفرص في اللحاق بالرّكب الحضاري ما يحتم الأخذ بالعلوم النافعة وتسليح شباب الأمّة بالحصانة الفكرية، بكلِّ ما تحويه من دلالات، بدءاً بالتوكُّل على المولى سبحانه، أن الضعف أمام المستجدات يتراكم وفقاً للأساليب الموغلة في القسوة، وفرض الاقتناع كتقليد متوارث لا يستشعر المضمون بسياق متوافق مع الأسلوب الميسر لإيصال القناعة وترسيخها، حيث إن الأسلوب الضعيف يصادر الهدف القوي، ويفرغه من معناه الحقيقي حينما يكون التزمت مساراً حتمياً ويمسى التنطع بآثاره السلبية محيطاً بالفكر ومحاصراً له لأن تضييق الواسع سينعكس حتماً على مستوى الاقتناع بشكل مباشر، إن تفعيل القيم المؤثرة يتطلّب جهداً وإخلاصاً لبناء أرضية صلبة للأجيال القادمة من خلال دعم الثقة بالنفس وتفعيل الرقابة الذاتية أو بمعنى أدق ترسيخ الشعور بمحاسبة النفس، فطالما كان البناء على هذا المنوال فإنّ التصدُّع لن يجد مجالاً ومن ثم فإنّ التماسك سيكون العلامة البارزة في هذا السياق،ولا ريب أنّ التضييق سيفرز ارتخاءً في القيم كنتيجة عكسية ما يعطي التمرُّد صبغة الاستقلال ومصادرة الهدف المأمول وبالتالي فإنّ الوسيلة تصادر الهدف فيكون كالغطاء المثقوب، ولا سبيل لغرس القيم وحماية الفكر من التلوُّث إلاّ بتفعيل الأطر الصائبة عبر الوسائل السهلة واليسيرة لشحذ القناعة، لأنّها سور الحماية الصلب، وإذا أراد الإنسان المحافظة على شئ ما فإنه يحيطه بعنايته ويتلمّس الأساليب الواقية، وأن يكون التسامح واجهة لكلِّ الأطراف لبلوغ ما نصبو إليه لنا وللأجيال القادمة، فالنوايا بإذن الله صادقة والتوجُّهات حميدة، والإخلاص مطمح كلّ طرف ومطمعه قبل النقد كالمطر لا ينبغي أن يكون شديداً جداً لأنّه يتحوَّل عندئذٍ إلى سيل يجرف الجذور بدل أن يرويها على حين أن النظرة السوداوية القاتمة لا تساهم في البناء بل العكس تساهم في تقويض البنيان وتعيق مسيرة التنمية.