12 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف يعلم الناس بوجود القانون؟

29 نوفمبر 2023

من القواعد المستقر عليها أنه لا يعذر أحد بجهله القانون، بمعنى أن الشخص إذا خالف قانوناً نافذاً داخل البلاد أو أتى سلوكاً يستوجب أن تطبق عليه قاعدة قانونية معينة فإنه لا يجوز له الاحتجاج أو اعتراض تطبيق ذلك القانون عليه بادعاء عدم العلم به، لأنه يفترض أنه على دراية به مهما كان مستواه الاجتماعي أو الاقتصادي أو العلمي أو غيره، ولا يستثنى من ذلك إلا من نص القانون عليه صراحة بعدم سريان القانون في مواجهته. لكن ذلك يفترض في المقابل أن الجهات المخولة بإصدار ذلك القانون وجعله نافذاً في مواجهة الجميع يحتم عليها أن تحيط الملزمين به علماً ببدء تطبيقه في مواجهتهم. إن الوسيلة التي يتم بها شهر القاعدة القانونية وإعلام المخاطبين بها بأحكامها هي «النشر»، وذلك عملا بنص المادة 142 من الدستور الدائم للبلاد التي جاء بها: «تنشر القوانين بعد المصادقة عليها وإصدارها في الجريدة الرسمية، وذلك خلال أسبوعين من تاريخ صدورها، ويعمل بها بعد شهر من تاريخ نشرها ما لم ينص على تاريخ آخر في القانون ذاته»، وهكذا فإن الجريدة الرسمية هي القناة التي من خلالها يعلم أفراد المجتمع وجميع المعنيين أن هنالك قانوناً يدخل حيز التنفيذ وأصبح أو سوف يصبح نافذاً في مواجهتهم وعليهم الالتزام به أو تجنب ما تم النص على عدم جوازه. ويتم تنظيم عمل وإجراءات نشر القوانين بالجريدة الرسمية في دولة قطر بموجب القانون رقم 12 لسنة 2016 الذي ألغى القانون السابق رقم 1 لسنة 1961 بإنشاء جريدة رسمية لحكومة قطر. وبمقتضى القانون الحالي فإن وزارة العدل هي الجهة الموكولة بإعداد جريدة رسمية وإصدارها، وذلك حسب المنصوص عليه في المادة رقم 2 منه، فهذه الجريدة تصدر رسمياً حسب المواعيد المقررة لها لتتضمن القوانين والمراسيم بقوانين وأي نوع آخر من التشريع، ليعتبر ذلك النشر بهذه الجريدة بمثابة الحجة على الجميع، ولا يقبل بعد ذلك إنكار أو نفي العلم بوجود القانون تحت أي سبب أو ذريعة. والجريدة الرسمية تصدر بشكل ورقي وتكون متاحة لاقتنائها من طرف الجميع، كما تصدر منها نسخة إلكترونية حسب الثابت من المادة 4 من القانون المذكور أعلاه، عن طريق نشرها بالموقع الرسمي لهذه الجريدة على شبكة الإنترنت، وتكون لهذه النسخة نفس الحجة والقوة الإلزامية للنسخة الورقية، إلا في حالة الاختلاف بين النسختين، بحيث ترجح النسخة الورقية في التطبيق. لقد ألزم الدستور الدائم للدولة السلطة التنفيذية بنشر القوانين التي استكملت جميع المراحل التي يمر منها التشريع بأن يتم نشرها بالجريدة الرسمية خلال فترة زمنية حددها في أسبوعين من تاريخ آخر إجراء يتم بها وهو «الصدور»، ولا تكون تلك القوانين ملزمة للمخاطبين بها ابتداء من تاريخ النشر، بل تعطى فرصة للجميع من أجل الاطلاع على مضامينها وانتشارها بينهم خلال مدة معقولة، وبالتالي يتم العمل بها ويصبح محظوراً مخالفتها بعد مرور شهر من تاريخ نشرها. والدستور الدائم للبلاد وإن حدد المدد المذكورة أعلاه من أجل نفاذ التشريعات في مواجهة المعنيين بأحكامها، فإنه كان مرناً في التعامل وأورد استثناء على تلك القاعدة، وسمح بإمكانية تحديد مواعيد أخرى لكي يصبح فيها القانون سارياً، وذلك إيمانا منه بأن بعض القوانين قد تكون مستجدة الموضوع على المخاطبين بها، أو تحتاج مدداً طويلة لتتضح في أذهان الناس، وبالتالي تكون مدة شهر واحد غير كافية لمواجهة الأشخاص بأنه لا يعذر أحد بجهله القانون.