20 سبتمبر 2025
تسجيلتعيش باكستان هذه الأيام أسوأ أنواع وأنماط وأشكال المواجهات بين المؤسستين السياسية المدنية، والعسكرية، فلم يمرّ على البلاد لحظة تاريخية أن تحدّت السلطة السياسية ممثلة برئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان المؤسسة العسكرية كما هو الحال اليوم، وحتى في معظم إن لم نقل كل الأحايين التي يرحل فيها رئيس الوزراء عن السلطة، كان يلجأ إلى دول أخرى لقضاء فترة نقاهة سياسية، وربما فترة إبعاد سياسي من العسكر، ليعود بعدها لاحقاً، وهو ما حصل مع رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، وكذلك رئيس الوزراء السابق نواز شريف عدة مرات بعد خلعهما من السلطة. لكن هذه المرة تواجه المؤسسة العسكرية قائداً سياسياً من نوع آخر، ربما أقرب إلى السياسي الرقمي الديجيتال منه إلى السياسي التقليدي الذي حفظت المؤسسة العسكرية كل أبعاده وتفاصيله، فكان اعتماد عمران خان على جيل الشباب الذي يشكل 60% من المجتمع، وذلك ممن أعمارهم تقل عن الثلاثين عاماً، وهو الجيل الذي يقضي كل أوقاته على السوشيال ميديا، بعيداً عن قنوات ومفاصل إعلامية تقليدية اعتادت على تشكيل وصوغ الرأي العام، وهو ما وفّر لعمران خان وحزبه فرصة ذهبية في الاندفاعة التي حصلت أخيراً، حيث إنه بعد مرور أسابيع على خلعه من السلطة بالاتفاق بين العسكر والساسة المعارضين الذين غدوا اليوم حكام باكستان، كان خان يحصد 15 مقعداً انتخابياً من أصل 20 مقعدا في الانتخابات التكميلية التي أجريت في البلاد. عمران خان الذي وصل إلى السلطة عام 2018 في انتخابات يتحدث الكل عن دعم العسكر له في مواجهة حزبين سياسيين متهمين بالفساد، وبالتالي كان العسكر يسعون بذلك إلى استباق القيام بأي ربيع باكستاني على غرار ربيع الثورات العربية، وقد فاز خان حينها بالأغلبية، لتتدهور العلاقة بين الطرفين لاحقاً، حين أصرّ قائد الجيش قمر جاويد باجوا على تعيين الجنرال عاصم منير كمدير للمخابرات العسكرية، وهو ما رفضه خان، ووقف ضده، فصمم حينها قائد الجيش ووراءه مؤسسته العسكرية على خلع عمران خان، كما خلع من قبله نواز شريف، فكان خالع رئيسي وزراء خلال فترة حكمه، وهو أمر غير مسبوق في قيادة الجيش الباكستاني. فاجأت الحكومة الباكستانية الحالية عمران خان بتعيين عاصم منير كقائد للجيش الباكستاني، وهو ما يعني تأسيساً لحياة سياسية صعبة حتى لو فاز عمران خان في الانتخابات المقبلة. لكن عداء خان هذه الأيام ليس مع عاصم منير فقط، بقدر ما هو عداء مع جهاز المخابرات العسكرية الباكستانية الذي اتهمها بالضلوع في محاولة اغتياله في الثامن عشر من الشهر الماضي، وهو الأمر الذي أزعج المؤسسة، لاسيما وقد أتى بعد اتهامه للمؤسسة كذلك باغتيال الصحفي الباكستاني أرشد منير الذي كان يحقق في عمليات فساد للعسكر والساسة، ليغتال في كينيا بعد أن هرب إليها خشية من اغتياله في باكستان، حيث شعر بالخطر على حياته، ليظهر لاحقاً ولأول مرة مدير المخابرات الباكستانية مع الناطق باسم الجيش الباكستاني، وينفيان أي علاقة بمقتل أرشد منير. الوضع الباكستاني يتجه إلى تأزم حقيقي، وما يدور على مواقع التواصل الاجتماعي في باكستان اليوم مخيف، من حيث التعبئة والحشد، والعداء للمؤسسة العسكرية، وبالتالي لم تعد هناك مؤسسة أو جهة يتحاكم إليها الباكستانيون جميعاً، أو يلجأون إليها، مما يجعل المهمة أمام المؤسسة العسكرية وقائدها الجديد الجنرال عاصم منير شديدة الصعوبة، وبالطبع ستكون المهمة مسؤولية النخب الباكستانية كلها في تجديد ثقة الباكستانيين بالنظام السياسي والعسكري الباكستاني بشكل عام.