10 سبتمبر 2025
تسجيلفي السنوات القليلة الماضية ومع النهضة العمرانية التي يشهدها السوق العقاري ودخول مبان ومشاريع جديدة للاستخدام، فاق العرض الطلب في فئات مختلفة من المباني وبالأخص المباني الإدارية، حيث إن الفائض في المباني الإدارية حالياً يحتاج أكثر من خمس سنوات حتى يتم امتصاصه من خلال العرض والطلب في هذه الفئة. كما أن خلال تلك السنوات الماضية أصبح هناك فائض في المعروض من الوحدات السكنية سواء كانت شققا أو فللا، مما أدى إلى بلوغ تراجع العائد الإيجاري على مدى السنوات الماضية نسبة 30% أو يزيد قليلاً عن أسعار القمة التي بلغها العائد الإيجاري في بداية عام 2015، ومن بعدها بدأ التراجع الذي أصاب المباني الإدارية أولاً، ثم تبعته أسعار إيجارات الفلل السكنية، ومن ثم انخفاض إيجارات الشقق السكنية، واصبح السوق العقاري هو سوق مستأجرين حيث أصبح المستأجر في وضع تفاوضي أقوى من المالك، وبدأنا نشهد عروضا من قبل شهر أو شهرين وحتى ثلاثة مجاناً، وربما أكثر من ذلك في القطاع الإداري، بالإضافة إلى نزول أسعار القيمة الإيجارية. ومن وجهة نظر المستهلك هذا يشكل واقعاً جيداً لأنه يوفر عليه مبلغاً قيما من دخله، ويتيح له خيارات أفضل من حيث الموقع والمساحة وحالة المبنى. وقد رأينا انخفاضاً في نمو مؤشر أسعار المستهلكين (Consumer Price) في دولة قطر ابتدأ من 2016 وحتى 2020، وذلك لما تشكله نسبة الإنفاق على الإسكان في تحديد نمو هذا المؤشر. وقد أدى التراجع في العائد الإيجاري إلى تراجع في أسعار الأراضي في معظم أنحاء الدولة بنسب متفاوتة حسب مواقعها واستخداماتها. كما أدى الإعلان عن الخطة العمرانية الجديدة بما لها من الإيجابيات التنظيمية في نواح عدة، إلى انخفاض أسعار الأراضي الفضاء الخاصة بالعمارات في قلب الدوحة، وذلك لاشتراطات المساحة المتعلقة بعدد الأدوار المسموح ببنائها في قطعة الأرض بالإضافة إلى تقليص نسبة البناء كحد أقصى إلى 50% أو 45% بناء على موقعها ومساحتها، بعد أن كانت نسبة البناء المسموح بها كحد أقصى 60% مما قلل مساحة الاستغلال الأمثل من الناحية الاستثمارية لتلك الأراضي مما سبب تراجعاً في أسعارها، ومع إطلالة جائحة كورونا أو COVID - 19 وما سببته هذه الجائحة من إغلاق وتحديد نشاط بعض الأعمال التجارية شهدنا تراجعاً في أسعار المحلات التجارية من حيث تكلفة إيجار الباب الواحد وبلغ التراجع في المعدل حوالي 20%، أما بالنسبة للفلل الخدمية بلغ التراجع في حدود 30 إلى 35% من القيمة الإيجارية السابقة. كما شهدنا انعدام طلب القفلية أو الخلو في شوارع تجارية مميزة كشارع سلوى التي كان يطلبها بعض المستأجرين لترك هذه المحلات لمستأجر آخر، ويعد هذا تصحيحاً جيداً يخفف أعباء مزاولة الأنشطة التجارية في هذه المواقع. من أهم العوامل المؤثرة على القطاع العقاري بمجمله من ناحية العرض والطلب هو العامل الديمغرافي (Demography) وهي المختصة بعلم السكان من ناحية الكثافة السكانية وتوزيعها ونموها بالاضافة إلى طبيعة السكان المتعلقة بالتعليم والثروة وحجم العائلة ومدة إقامة المستأجرين في الدولة ومدى شعورهم بالثقة في استقرارهم المالي والوظيفي. ومما سبق سرده يمكننا تلخيص ما حصل في القطاع العقاري من الربع الثاني لـ 2015 إلى بداية الربع الثاني في 2021 بالآتي: 1) تراجع العائد على رأس المال في السوق العقاري واستقراره عند 5 إلى 6% سنوياً من رأس المال المستثمر. 2) تراجع أسعار إيجار الفلل بنسبة 30 إلى 35% عن أسعار الذروة في 2015. 3) تراجع الاستثمار في القطاع العقاري وبالأخص في مناطق الدوحة وزيادته في منطقة الوسيل، وذلك لسعي ملاك الأراضي لتخفيف عبء رسوم منطقة الوسيل عن كاهلهم من خلال بيع الوحدات السكنية والإدارية المطورة أو تأجيرها. 4) تصحيح أسعار المحلات التجارية في الشوارع التجارية ومن المؤمل أن ينعكس ذلك على أسعار السلع والخدمات. 5) أدت زيادة المعروض العقاري إلى تحفظ البنوك في التمويل العقاري على المطلق وتركيزها على تمويل المستثمرين العقاريين ذوي الطابع المؤسسي والكفاءة في إدارة العقارات. 6) تراجع أسعار الأراضي الفضاء على حسب المناطق بمتوسط 15 إلى 20% مما أتاح الفرصة للشراء بصورة أكبر للراغبين في الاستثمار أو السكن. 7) فائق كبير في المساحات الإيجارية المعدة للاستخدام الإداري ومن المتوقع زيادة هذا الفائض واستمراره لسنوات قادمة. في أكتوبر 2020 اتخذت الحكومة خطوات لتشجيع الاستثمار العقاري من خلال سن بعض القوانين من أهمها: 1) إتاحة 16 منطقة حق انتفاع بالعقار لمدة 99 سنة، متاحاً للمواطنين القطريين ولغير القطريين من مقيمين وغير مقيمين. 2) إتاحة 9 مناطق تملك حر لغير القطريين سواء كانوا مقيمين أو مستثمرين من الخارج. 3) حق التملك الحر للوحدات السكنية داخل المجمعات السكنية والمحلات التجارية داخل المولات. 4) السماح للشركات غير القطرية بالتملك بنفس المناطق المحددة ضمن قرار مجلس الوزراء. 5) منح الإقامة لملاك العقارات التي لا تقل قيمتها عن 730 ألف ريال قطري (ما يعادل 200 ألف دولار أمريكي)، بحيث يحصل مالك العقار من هذه الفئة على إقامة له ولأسرته بدون مستقدم طيلة مدة تملكه للعقار. 6) يحصل مالك العقار الذي لا تقل قيمته عن 3 ملايين و650 ألف ريال (مليون دولار أمريكي) على مزايا الإقامة الدائمة التي تشمل الصحة والتعليم والاستثمار في بعض الأنشطة التجارية. في بداية الربع الثاني لهذا العام 2021 شهد السوق العقاري تطوراً انعكاساً لثلاثة أمور أساسية: 1- القوانين التي اتخذتها الحكومة لتشجيع الاستثمار العقاري في أكتوبر 2020. 2- انحسار تأثير جائحة كورونا على السوق من خلال الاجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة. 3- زيادة الطلب على العقارات لتلبية احتياجات تنظيم قطر لكأس العالم 2022 من خلال إبرام إدارة الإسكان العقود مع الملاك في أماكن متفرقة. للأسباب السابقة بدأ زيادة الطلب على العقارات السكنية بصورة ملوحظة. وقد أدى هذا الأمر إلى زيادة أسعار الإيجارات السكنية في مناطق معينة بصورة طفيفة واختفاء عروض الأشهر المجانية. كما ارتفعت إيجارات الشقق في منطقة اللؤلؤة بمتوسط حوالي 20% وذلك لزيادة الطلب عليها. ومن المرجح أن تستمر زيادة الطلب على الإسكان بصفة عامة بنسب معقولة وتدريجية حتى بداية موعد انطلاق كأس العالم لكرة القدم في قطر. ولكن ماذا قد نستشرف ونتوقع للسوق العقاري في قطر بعد 2022؟ عوامل كثيرة لا بد أن تؤخذ في الحسبان ستؤثر في السوق العقاري من أهمها: 1- ماذا سيحدث للعقارات السكنية وبالأخص الشقق التي تم استئجارها أو بناؤها لكأس العالم لكرة القدم، حيث ان هناك الآلاف من الشقق التي تم استئجارها من خلال الإسكان لعقود مدتها 5 سنوات في لوسيل؟ وهل سيتم إخلاء شقق وعقارات مستأجرة حالياً في مناطق مختلفة من قطر وإحلال الموظفين في هذه العقارات الجديدة في لوسيل، مما قد يسبب فائضاً في العقارات بتلك المناطق مع العلم أن إدارة الإسكان دائماً كانت عادلة جداً في التعامل مع الملاك. 2- ماذا سيحصل لشقق في منطقتين في قطر الأولى 6000 شقة أو وحدة سكنية تبنى حالياً جنوب الوكرة، ومئات الشقق في منطقة شارع الرفاع قرب مول قطر ستستخدم كلها لخدمة تنظيم كأس العالم، هل سيتم تحويلها لعقارات ذات نفع عام كالتعليم أو الصحة ولنا في تجربة الأولمبياد الآسيوي خير مثال حيث أصبحت المنشآت المقامة حينها تابعة لمؤسسة حمد الطبية، واستفاد منها المواطنون والمقيمون. 3- مع انتقال أفرع البنوك الرئيسية والوزارات إلى منطقة لوسيل، كيف سيتم معالجة وإشغال العقارات التي تشغلها حالياً. 4- نهج المؤسسات المالية والبنوك في التمويل العقاري في المرحلة المقبلة. 5- الارتفاع العالمي في أسعار المواد الخام التي تدخل في قطاع الإنشاء العقاري بسبب انجلاء جائحة كورونا، كالنحاس والبلاستيك والخشب. 6- ارتفاع أسعار الشحن في عموم العالم وبالأخص من الصين حيث شهد ارتفاع الشحن بأكثر من ستة أضعاف خلال العام ونصف العام السابق وإلى متى سيستمر؟ 7- حركة النشاط التجاري والاستثماري في قطر والتطور في عدد السكان انعكاساً لهذا النشاط. في المجمل أعتقد أنه من العدل أن نقول إن هناك رؤية لاستقرار السوق العقاري بعد عام 2022، وقد تكون هناك زيادة طفيفة وبشكل تدريجي ومحدودة في الأسعار بما يخدم المستثمرين والمستهلكين ولكن هذا كله يعتمد على العوامل التي ذكرناها سابقاً. وهنا أود أن أتوجه ببعض المقترحات التي قد تسهم في استقرار سوق العقار وتوجيهه في الطريق الصحيح بما يخدم مصالح الجميع: 1- التخطيط لكيفية استغلال العقارات التي سيتم استخدامها واستئجارها لكأس العالم لكرة القدم، بعد انتهاء البطولة وقد يكون هذا موجوداً ولكن ليس لي به علم. 2- تشجيع البنوك ضمن ضوابط على تمويل الاستثمار العقاري بنسب فوائد معقولة. 3- زيادة المناطق المتاحة لحق الانتفاع من العقار والتملك الحر لغير القطريين في قطر. 4- العمل على تقليص الرسوم في منطقة لوسيل حيث إنها منطقة مفتوحة وتخدم جميع من في دولة قطر وليس قاطنيها فقط، وهي المنطقة المرشحة لاستقبال معظم الاستثمار العقاري في دولة قطر في المرحلة المقبلة. 5- العمل على زيادة الاستثمار الخارجي المباشر بالدولة (Foreign Direct Investment) (FDI). 6- العمل على وسائل تخفف من ارتفاع تكلفة مواد البناء والشحن. 7- وضع قانون وآلية لإنشاء صناديق الاستثمار العقاري (Real Estate Investment Trust) (REIT) وطرحها في سوق قطر للأوراق المالية أسوة بالأسواق العالمية حيث سيتيح إنشاء مثل هذه الصناديق للمستثمرين الوصول إلى محافظ متنوعة من الأصول المدرة للدخل، كما سيتيح لصغار المستثمرين الراغبين في الاستفادة من الاستثمار العقاري بمبالغ متواضعة، كما هو الحل في الأسهم وتمكن الشركات المحترفة في الاستثمار العقاري بإدارة الأصول العقارية لصالح حملة الأسهم في الصناديق الاستثمارية وتتيح سهولة التخارج من الاستثمار العقارية. حيث إنه يحول الاستثمار في العقارات إلى آلية تشبه الاستثمار في أسهم الشركات. وأخيراً إن الاستثمار في العقار هو من أهم المجالات التي يلجأ إليها المواطنون لزيادة دخولهم وسوق العقار في قطر مستقر ومشجع في المجمل إذا قورن بالعوائد المالية في الاستثمار العقاري خارج قطر في الوقت الحاضر. باحث اقتصادي