11 سبتمبر 2025
تسجيلحديثنا في هذا المقال عن الصفة الثالثة من صفات القائد الناجح والمؤثر بعد أن تناولنا بشيء من الايجاز صفتي الصدق والشجاعة، ولا تقل هذه الصفة عن الصفات السابقة فهي من الأهمية بمكان لأنها تؤثر تأثيراً كبيراً على القيادة حتى وإن كان القائد صادقا وشجاعا، فافتقار القائد لهذه الصفة في خُلقه وأسلوب قيادته يؤثر سلباً على كل ما يقوم به من جهد وعمل ويزعزع ثقة المرؤوسين فيه، وهذه الصفة هي العدل، فقد قال تعالى " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، ويقول سيد قطب رحمه الله في تفسير العدل في الأية "جاء بالعدل الذي يكفَلُ لكلِّ فردٍ ولكلِّ جماعةٍ ولكلِّ قومٍ قاعدةً ثابتةً للتعامل، لا تميلُ مع الهوى، ولا تتأثَّرُ بالودِّ والبغض، ولا تتبدلُ مجاراةً للصهر والنسب، والغنى والفقر، والقوة والضعف. إنما تمضي في طريقها تكيلُ بمكيالٍ واحدٍ للجميع، وتزِنُ بميزانٍ واحدٍ للجميع"، وقيل قديماً والأرجح أن القول للأمام الغزالي أن "العدل أساس الملك"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: "الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة". إن مسؤولية القائد هي إنجاز المهمة بنجاح كما ذكرنا سابقاً وفي سبيل تحقيق ذلك فإنه يقوم بتحديد المهام والمسؤوليات على من هم تحت امرته مطالباً إياهم بأداء واجباتهم والأعمال المناطة بهم بكفاءة واقتدار، وفي المقابل عليه الإنصاف والعدل فيما بينهم سواء في توزيع المهام والواجبات أو في التقدير والاحترام، فإنه من الظلم أن يتم التفضيل والتمييز بينهم في الثناء والمكافآت والحوافز سواء كانت مادية أو معنوية أو لأسباب خارجة عن الأداء في الأعمال، كتفضيل موظف على الآخرين لصلة القرابة أو للمصلحة الشخصية أو خوف من نفوذ. ولعل هناك أسباباً كثيرة يمكن أن تؤثر على عدالة القائد في أسلوب قيادته، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: حب المنصب والخوف من زواله، فهو بهذا الحب يكون أكثر أنانية وحباً للذات، فتراه يراعي من يضمن له المنصب ويقربه ويجزل عليه ويميزه عن غيره دون وجه حق، ويعادي من يعتقد في نفسه المريضة أنه يهدد كرسيّه فيصبح بذلك طاغية ظالماً، وهناك المحسوبيات والمصالح الشخصية واستغلال السلطة والتعصب للقبيلة أو العصبة والقائمة تطول. ولكن ماذا سيحدث إذا افتقد القائد إلى صفة العدل بين الموظفين وما هي العواقب ؟ اعتقد أن هناك آثارا سلبية معنوية ومادية لافتقاد القائد للعدالة والمساواة في العمل، ويمكن ايجاز هذه الآثار في التالي: الضغينة والكراهية والتشاحن وفقدان الثقة والأمان بين الموظفين مما ينتج عنه قصور في الأداء والإنجاز الوظيفي فيؤثر سلباً على الكفاءة الإنتاجية، ومن ناحية أخرى سيفقد القائد ولاء موظفيه ليس له فقط، وإنما حتى ولاءهم للكيان الوظيفي الذي يعملون به. إن ديننا الحنيف حثنا على العدل في جميع الأمور، ولعلي اختم مقالي بكلام جميل للعلامة الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى- في كتابه " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " عن العدل، يقول السعدي: " (فالعدل الذي أمر الله به، يشمل العدل في حقِّه، وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة؛ بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منها في حقِّه وحقِّ عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كلُّ والٍ ما عليه تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء ونواب الخليفة، ونواب القاضي. والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه، ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك، فلا تبخس لهم حقاً، ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحب). drAliAlnaimi@