18 سبتمبر 2025

تسجيل

انتهى الكلام

29 نوفمبر 2018

عندما نعتاد الأشياء والأماكن ونعتاد أمراً يرافقنا ومعنا في حل وترحال، نرتبط به نفسيا ونحزن على فقده أو كسره، من الأشياء ما يمكن تعويضه إلا إن الارتباط الروحي بالوفاء للشيء هو الأهم على النفس، وعندما نعتاد بشرا أيا كانت العلاقة وصلة القرابة، علاقة صداقة وعلاقة رفقة وعمل وارتباط بلحظات وأوقات وساعات علاقة روحية صادقة دون مصالح، غيابهم سفرا او غيابا عن المكان يؤلم النفس شوقا لهم وانتظارا وترقب عودتهم، وأمل العودة والانتظار يسلي الروح لرؤيتهم، إلا إن أصعب الفقد والغياب بسفر عنا دون عودة برحيلهم عن دنيانا. ● لم يمض عيد أو رمضان او اي مناسبة ووقت الا يتصل ونتصل له، لا تزال نبرات صوته المتعب الذي اثقل نطق الحروف والاسماء عند اتصاله منذ سفره لبلده اتصال سلام وسؤال وطلب الدعاء بأن يشفيه الله ويعينه على العبادة، وقبل أن ينهي المكالمة يصر رغم تعبه على إبلاغ السلام بالاسم لكل من عرفهم من صديقاتي وأهلي كبارا وصغاراً بالاسم فردا فردا. ● أبو الكلام من عاش أكثر سنوات عمره بقطر منذ كان عمره 16 سنة، كان يعمل سائقا للأجرة، جاء للعمل لدينا، بعد أن تم إلغاء خدمة سيارة الأجرة الصفراء وباع سيارته بثمن زهيد، ولم يكن من الطمع والجشع كبعض أصدقائه باستغلال السيارات الخاصة في التوصيل بل طلب العمل سائقا مع عائلة. كان يعشق قطر ووفياً لكل من عرفهم في حياته، دائما كان يذكر كفيله الاول وكيف كان طيبا وكريما. ● رافقني في مواقف وأماكن وظروف كثيرة، أهمها رحلة الدراسة للماجستير، أساتذتي كانوا يقدرونه جدا ولا ينادونه الا بـ «عم محمد»، ويوم مناقشة رسالة الماجستير كان اكثر مني قلقا وهو الوحيد من حضر وكان ينتظر الانتهاء من المناقشة بخروجي من قاعة الاجتماع، لكون قرار المناقشة في جامعة حمد بن خليفة آنذاك مقصورا على أعضاء لجنة ورئيسها والطالب. ● كان يلتزم الصمت أياما ولا يتكلم واعرف من خلال السنوات انه متضايق ومهموم، كانت له حركة ان يضرب بكف يده على مقود القيادة.. يكرر الضرب.. واعرف ان قلبه ممتلئ ويريد أن يتكلم ويبوح.. وأقول له ايش فيك محمد؟؟ يرد ما في شي، اصر: لا فيك قول.. ويبدأ في الكلام والفضفضة عن مواقف ظلم تعرض لها في حياته. ● كنت في مشاويري يقول لي شوفي هذا المكان وهذه المنازل والقصور.. ويعرف أصحابها بالاسم وأقول له كيف عرفت؟ يقول اعرف كنت أوصل زبائن كثرا في العيد ورمضان لهنا.. ويحكي لي قصصه وخبرته مع الزبائن.. وكان دائما يذكرني ان في الماضي لم يكن في قطر الا عدد من الصيدليات المناوبة وعدد قليل من المجمعات والمحلات التجارية المعروفة آنذاك والنَّاس تذهب لمنازلها مبكرا. ◄ آخر جرة قلم أنهكه المرض واصيب بجلطات ودخل مستشفى الرميلة قررنا ان يسافر ليكون بالقرب من زوجته وبناته ومتابعة علاجه في بلده. منذ اسبوع عمل عملية قلب وكنت ارغب بالاتصال به.. فرق التوقيت اجل الاتصال لليوم الثاني.. رأيت اتصالا من ابنه وقلت سأتصل لمحمد اولا ثم اتصل بابنه.. وبعدها يعود بالاتصال مرة اخرى.. ليأتي صوت لا اعرفه يقول انا قريب ابو الكلام.. ابو الكلام مات منذ ساعتين.. وصمت ابو الكلام الصادق والأمين ورحل عن دنيانا وانتهى الكلام.. وترك أثر خلقه وتعامله الطيب باقيا معنا.. ومع كل من عرفه.. رحمك الله يا أبو الكلام.. و{إنا لله وإنا إليه راجعون». [email protected]