14 سبتمبر 2025
تسجيلما زالت الأبصار الخليجية تشخصُ للكويت، حيث من المقرر أن تُعقد القمة الخليجية السنوية العادية! وما زالت آمال شعوب الخليج معقودة على ألا يحدث ما يخلُّ بتواصل عقد القمم الخليجية، بعد أن انتظم عقدها منذ العام 1981. تعتور هذه القمة الكثير من المنغصات التي لوثت السماء الخليجية بالكثير من الآثام والآلام والرسائل الإعلامية التي شوهت نقاء الصورة الخليجية، وسموها عن الكثير من الأدران السياسية التي لحقت بالعالم العربي خلال الثلاثين عامًا الماضية. وكان العالم كله يستشهد بثبات وقوة مجلس التعاون ككيان سياسي اجتماعي اقتصادي لا يوجد له نظير في العالم العربي. ولكن فجأة صحا ذاك المواطن "الحالم" بالمصير المشترك، وبـ (أنا الخليجي.. والخليج دربي أو مصيري) ليجد نفسه في حالة انهزام وتراجع، بسبب حصار دول شقيقة لدولة قطر. وبهذا سقط الحلم الخليجي، وانفرط عقد التعاون التلاحم، وبدأت الحرب الإعلامية في السماء الخليجية، وتم إغلاق الحدود، والتضييق على دولة قطر، ما سبب امتعاضات في الشارع القطري، حول مسوغية تلك الإجراءات الخارجة عن كل قيم الأخوة والجوار والمصير المشترك. إن عدم عقد القمة الخليجية في الكويت في موعدها في ديسمبر المقبل، سوف يُسجل سابقة لم يعهدها التعاون الخليجي، وستكون بذلك بداية انهيار مجلس التعاون! ونحن لا نريد أن يحدث ذلك! لأن البيت الخليجي هو موئل الشعب الخليجي، بغض النظر عما لازمَ مسيرة المجلس من هنّات أو إخفاقات لم تلامس جروح المواطن الخليجي، ما اعُتبر أنه مجلس لـ (الحكام)، ولتذهب الشعوب إلى الجحيم. آخر تطورات الوضع لمحاولة إنقاذ القمة الخليجية كانت رسالة أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد إلى الملك سلمان بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية، والتي حملها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد، من أجل إنقاذ القمة الخليجية. حيث ذكرت مصادر غير مؤكدة بأن دولة الكويت تحبذ عقد القمة في موعدها. ونُسب للشيخ الخالد "أن وقت الوساطات انتهى، وأن (الرباعي) تعامل مع الدوحة برحابة صدر، وأعطاها أكثر من مهلة"، وأوضحت تلك المصادر أن الكويت تفكر جديًا في عقد القمة الخليجية دون قطر لإنقاذها في النهاية". (العرب اليوم – 25/11/2017). وسواء صحّت تلك المقولات أو النقولات عن وزير الخارجية الكويتي، أم كانت مختلقة، بقصد فت عضد التعاون الخليجي، فإن الفشل في عقد القمة الخليجية أو عقدها دون دولة عضو في المجلس يعتبر نكوصًا واضحًا في مسيرة مجلس التعاون. وأنها ستكون سابقة قد تتكرر في السنوات المقبلة. وهكذا، سوف يصيب الوهن هذا المجلس وقد يُصار إلى استبداله بنظام آخر قد لا يجمع الدول التي وقّعت على النظام الأساسي في مايو 1981. نحن لسنا مع المتشائمين، ولكن الواقع اليوم لا ينبئ عن أي انفراجة في قيام الأشقاء بمحاصرة الشعب القطري، والتسبب في منغصات لا داع لها لأفراد من الشعب القطري، حيث تقطعت السبل بالعائلات التي تمتد فيما بين قطر والسعودية والبحرين والإمارات! كما أن الحرب الإعلامية المستعرة في المنطقة لا تشجع على أي مبادرة أو أي أمل في أن تنجح القمة الخليجية! خصوصًا وأن دولة قطر تلقت ما لم تتوقعه من الأشقاء، ودون مبررات حقيقية! لا نود استرجاع الحيثيات التي سيقت حول حصار قطر من قبل دول الحصار، ولكن المجتمع الخليجي قد تم تسييسه، وصار الأخ يحاذر من التواصل مع أخيه في قطر، بحكم القوانين التي صدرت بتجريم التعاطف مع دولة قطر!؟ وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ المنطقة. بل وحصل أن تم تطليق زوجة من دولة خليجية زوجها قطر!؟ ناهيك عن المساس بقدسية التعليم، وحرمان الطلبة القطريين من الدراسة في بعض دول الحصار، وتلك الخسارات الكبرى في مجال الاستثمارات. لا نريد التباكي على ما حدث، ولكن البوصلة السياسية قد ضلت الطريق، وغاب صوت العقل، وتم تدمير كل الجسور بين دول الحصار ودولة قطر! وهذا بلا شك ينذر بقطيعة كبرى، إذا ما استمر الحصار، ولم يلتفت أهل الحصار لصوت العقل الذي انطلق من قطر ومن الكويت. نحن مع عقد القمة كاملة، وبحضور كل الأطراف، لأن غياب أي طرف يعني انهيار مجلس التعاون، وهذا ما لا نرجوه؛ لأننا مؤمنون بأن مجلس التعاون هو الملاذ الآمن لشعوب الخليج. وقد يذهب الحكام ويأتي غيرهم، لكن شعوب المجلس سوف تبقى، وعلى هذه الشعوب أن تعيَّ فكرة البقاء والاستمرارية، وهذه الاستمرارية تحتّم أن تكون الأمور في نصابها، وأن تظل اللحمة الخليجية قائمة، بعيدًا عن نوازع الشر والصراعات والمغامرات التي لا تفيد الشعوب ولا تساهم في استقرار المنطقة. وأقترح، بمناسبة عقد القمة الخليجية بإذن الله، أن تتوقف الحملات الإعلامية بين دول الحصار ودولة قطر، وأن تركز الجهود على إنجاح القمة، وتعديل المسارات الخاطئة التي أضّرت بدولة قطر، وسببت سوءات كثيرة لشعبها الذي يكن للشعوب الخليجية كل احترام وتقدير. كما أن نهج دولة قطر المتحضر، المطالب باحترام سيادات كل الدول، يجب أن يلاقي التقدير من كل دول المجلس، لأن في ذلك تدعيم لكياناتها وسيادتها، لا أن تكون تابعة لهذه الدولة أو تلك. المشهد في الخليج لا يساعد على التفاؤل بعقد القمة الخليجية، وإن كنا في دواخلنا نأمل عقد بكامل أعضاء المجلس، وأن تُحل جميع المسائل العالقة، بروح من المسؤولية، وعدم الاجتراء على حقوق أي دولة من دول المجلس. وهذا هو التصرف الحضاري الذي يجب أن يفاتح زعماء المجلس به شعوبهم؛ بعيدًا عن الممالئة السياسية وروح الغيرة والحسد وتفسير سياسات أي دولة على أنها "عدائية" ضد أي من دول المجلس. نأمل أن يسود صوت العقل، وتلتفت القيادات نحو تنمية شعوبها، وإصلاح التعليم والبنى الأساسية في هذه الدول، وأن تبتعد هذه الدول عن دواعي الشقاق، وبث روح الكراهية بين الشعوب، كما فعل الإعلام خلال الستة شهور الماضية! أملنا كبير في أن تُقدّر قيادات دول الحصار جهود سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، وألا تلجأ لتفشيل القمة! لأن ذلك سوف يؤدي إلى نتائج خطيرة في قابل الأيام.