15 سبتمبر 2025

تسجيل

لا يؤخذ الإنسان بجريرة غيره

29 نوفمبر 2012

أدرك يقيناً أن الإنسان لا يؤخذ بجريرة غيره، بمعنى أن من ارتكب المخالفة، لا يجوز بحال من الأحوال معاقبة غيره، لأن هذا يندرج في إطار الظلم والاعتداء وقد علمنا ديننا الحنيف هذه الأسس السليمة، فقال الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ومن المعلوم بأن الأخلاق وسموها كقيمة إنسانية كريمة نبيلة تبرز مآثرها من خلال التعامل أياً كان نوعه، سياسياً أم اقتصادياً أو غير ذلك، ويندرج الاحترام في إطار سمو الأخلاق كعنصر مؤثر في تنمية العلاقات من جهة، وكقيمة تتكئ على حسن الظن والنية الحسنة من جهة أخرى من خلال التعامل وبناء علاقة حضارية خلاقة تنبذ العنف وتشتت الأحقاد وتزيل الكراهية كما هي رسالة السماء للإنسان بإعمار الأرض لا دمارها، فكانت الأديان السماوية تهذيباً للنفس ورفع مكانة الإنسان وإعلاء قدره وتعريفه بخالقه وإرشاده إلى طريق الصواب، ويظل احترام المشاعر نبراساً مضيئاً يكسو القلوب بوشاح النبل المستعصي على الاختراق، ويعتبر التضليل أحد الجوانب المكرسة لابتعاد الحقائق وتحويرها على نحو يستخف بالحس الإنساني النبيل ويعبث بعقله ويجرده من قيمته المعنوية الجديرة بتلقي الحقائق كما هي، وسؤالي ما المحصلة من وراء استفزاز المشاعر بهذه الصيغ الفجة والتي لا يقبلها عاقل فضلاً عما تحدثه من إثارة للضغينة والكراهية، وتأصيلاً للعداء المنبثق من رحم الخطيئة، لم يكن المنطق إلا تقنيناً موضوعياً لفرضية القبول وعدمه في إطار القناعة المطلقة بالحقوق معنوية كانت أم مادية وحتمية حفظها في حين أن انتهاكها يخالف المنطق بأبعاده المتسقة مع الإطار الموضوعي للجوانب الإنسانية، ومراعاة هذه الجوانب ومن ضمنها بلا ريب احترام المشاعر والأحاسيس، وقد بدأت مقالتي بالآية الكريمة: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لإدراكي الكامل بأن المخطئ هو وحده من يتحمل تبعات خطأه، غير أن الأنظمة والقوانين سنت لحماية حقوق الإنسان وحفظ كرامته وحمايته من الأذى، والتجريح وخلاف ذلك، ولو أن الأمر خلاف ذلك لسرق الفقير من الغني بحجة المساواة، وإذا كانت المعايير الأخلاقية تحدد المسار التنظيمي للعلاقات بين الأفراد، فإنها بين الأمم تعد حجر الأساس وما تحتمه الأمانة في رفع المستوى المهني والأخلاقي من خلال التعامل الخلاق والرؤية الموضوعية المتزنة، لاسيَّما إذا كان الأمر مرتبطاً بوسائل الإعلام وميثاق الشرف، بما في ذلك أمانة الكلمة، ومن المعلوم بأن الرأي أو بمعنى أصح الفكرة، تتكئ على الاستناد قبل بلورتها وطرحها على الرأي العام، وعلى هذا الأساس يتوجب أن يكون الاستناد ثابتاً بالأدلة والبراهين المقنعة، وهذه من الدعائم الرئيسية في إطار المعايير المنظمة لهذا الشأن، وإذا كانت المعلومات غير متوافرة، فإن هذا لا يبرر الجرأة في الطرح على هذا المنوال، ويُعد مخالفة صريحة لميثاق الشرف الصحفي. وتحرص البلدان على ما يدعم العلاقات ويعززها وفقاً للالتزام بالاتفاقات المبرمة في هذا الشأن، من هذا المنطلق فإن العلاقة الرسمية بين الأمم تظل أكثر وضوحاً مما يضفي على هذه العلاقة صبغة الديمومة سعياً إلى تطويرها لتنعكس إيجاباً على علاقات الشعوب ببعضها البعض، وهنا مربط الفرس إذ تتشكل الرؤى وتتباين المفاهيم إزاء هذه العلاقة طبقاً لإرهاصات المراحل وإفرازاتها وآثارها سلباً وإيجاباً، وهذا ينطوي على أهمية دقة استقاء المعلومات من جهة، وتفسيرها على نحو صادقٍ بعيداً عن التسخير لتحقيق مآرب أو المزايدة على العلاقات لخدمة فئة دون الأخرى أو التشويش لأغراض خاصة، ومن ذلك تحليل المواقف بصيغة تفتقر إلى البعد الأدبي والإنساني والمهنية الصادقة ولصق أعمال فردية بهذه الأمة أو تلك كمقياس يعتريه الاختلال إذ إن القياس على هذا الأساس لا يفتأ أن ينخر في العلاقة من تأليب وخلافه وفقاً لغياب المنهجية الموضوعية ونتيجة الافتقار للاستقراء الدقيق المتقن مما ينسحب حتماً على تأصيل الكراهية وما تخلفه وراءها من تراكمات سلبية تفضي إلى نشوء الاحتقان المعنوي إن جاز الوصف كاستباق للتصورات غير المنضبطة التي من شأنها الإخلال بالأسس التي تبنى على ضوئها العلاقات، فضلاً عن الجانب النفسي الفاقد للاستقرار حيال هذه العلاقة التي شابها التصور المجحف المنقول بصورة تفتقر للتعقل فضلاً عن المنطق.