14 سبتمبر 2025
تسجيلإنه لفخر ما بعده فخر إذ وفق الله سبحانه وتعالى شعب مصر بالثورة والانتصار على الحاكم المستبد وتحرير البلاد من فرعون الأمة. ولأن المصريين يحبون وطنهم، ويحرصون على وحدته القومية ولا يجدون غضاضة على أي إنسان يخلص لمصر العروبة ومصر الإسلام.وبعد أن منَّ الله عليك بالفوز في الانتخابات الرئاسية أيها الرئيس مرسي، يجب عليك أن تبتغي وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه، وذلك مكفول لك ما دمت مخلصاً. ولم يكلفك الله نتائج الأعمال ولكن كلفك صدق التوجه وحسن الاستعداد، وأنت بعد ذلك إما مخطئ فلك أجر العاملين المجتهدين، وإما مصيب فلك أجر الفائزين المصيبين.فالحاكم مسؤول بين يدي الله ثم بين الناس، وهو أجير لهم وعامل لديهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، وأبو بكر رضي الله عنه يقول، عندما ولي الأمر وصعد المنبر: (أيها الناس، كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم؛ فأنا الآن أحترف لكم، فافرضوا لي من بيت مالكم)، وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الاجتماعي أفضل وأعدل تفسير، بل إنه وضع أساسه، فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة، فإذا أحسن فله أجره، وإن أساء فعليه عقابه.فالشعب المصري على أتم استعداد للبذل، ولكن في طريق واضحة مرسومة تؤدي إلى الحرية، بقيادة حكومة حازمة ترسم له في قوة وإخلاص مراحل هذا الطريق. أما إذا استمرت الحكومة في ترددها وتراخيها واضطرابها، فلن يؤدي ذلك بالشعب إلا إلى أحد أمرين، إما أن يثور، وإما أن يموت، وكلاهما جريمة وطنية لا يغتفرها أبداً التاريخ.إن الإعلان الدستوري الأخير وضع الأمة في حيرة بين مؤيد ورافض، حيث إن مبادئ الحكم الدستوري تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وبيان حدود كل سلطة من السلطات حتى تطابق تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم. يجب عليك عدم الدعوة إلى إقامة نظام حكم ديني ثيوقراطي بالمعنى الذي عرفته أوروبا في عصورها الوسطى، بل الدعوة إلى إقامة حكم إسلامي على أساس الشورى والحرية والعدل والمساواة، بصيغة الحكم الدستوري النيابي لأنه أقرب النظم إلى الإسلام، تلك الصيغة إذا طبقت كما ينبغي فإنها تضمن تحقيق المبادئ الثلاثة التي يقوم عليها الحكم الإسلامي، وهي: مسؤولية الحاكم، ووحدة الأمة، واحترام الإرادة. فالإسلام حكم وتنفيذ، كما هو تشريع وتعليم، كما هو قانون وقضاء، لا ينفك واحد منها عن الآخر.إن الكرامة الإنسانية للشعب المصري الثائر كانت من بين الأسباب المؤدية إلى الثورة، فالكل يريد العيش بكرامة واحترام، ولهذا كانت الثورة محاولة لاسترداد الكرامة التي سلبت، والاحترام الذي افتقده هذا الشعب من قبل الحاكم المستبد، لذا خرجت للتعبير عن ذلك بإلحاحها على ممارسة الحكم بنفسها، لعلها تحظى بمعاملة كريمة وعادلة، وأن تسُمع كلمتها، وأن تكون هنالك قوانين وأنظمة تعامل الجميع بعدالة وإنصاف دون تمييز.إذا لم تتمكن من معالجة الأوضاع الحالية بسرعة وفعالية، وهنالك احتمالية كبيرة لاندلاع الثورة المضادة حيث توقعات وطموحات الشعب المصري عالية وشاهدنا المظاهرات التي خرجت في محمد محمود وخروج الشعب لميدان التحرير يوم الثلاثاء الماضي واستشهاد عدد من شباب مصر وإصابة الكثير في المحلة الكبرى ودمياط وغيرها.إن الأمر خطير، ولقد حاولت وحاول البعض من المصلحين أن يصلوا إلى وحدة ولو مؤقتة لمواجهة هذه الظروف العصيبة التي تجتازها مصر، ولكن الإسراع في جنيك لثمار حركتنا قد سبب ردة فعل من بعض أفراد الشعب والقوى الوطنية المصرية . فعليك باحترام رأي الأمة، ووجوب تمثيلها وإشراكها في الحكم إشراكاً صحيحاً، والإصلاح بالاستفتاء العام، ومراجعة أقوال الفقهاء، وأن القضاء في مصر له تاريخ كبير لابد ألا ينسف. ولا شك أن سلطان القانون قد تزعزع وفقد احترامه كذلك، بسبب هذه الاستثناءات والإعلانات الدستورية والمحسوبيات والاعتداء أحياناً بنسخ القانون لغرض شخصي أو حزبي. ربما الدوافع تكون معروفة دائماً ولا تخفى على أحد، فيعمل ذلك عمله في النفوس وينال من هيبة القانون واحترام النظام.إن ما حدث يوم الثلاثاء الماضي على ضوء إعلانكم الدستوري واستشهاد عدد من شباب مصر تفقد حكومتك هيبتها في النفوس بسبب هذا التجريح بالحق وبالباطل الذي تمليه الروح الحزبية البحتة، وبسبب هذا العجز الناتج عن عدم تحديد المسؤولية. إن مصر اليوم ليست مصر الأمس، فإن النفوس في مصر اليوم ليست مطبوعة بطابع الطاعة والاستسلام، فعليك بأن تنهض بحاجات الشعب أولاً حتى تستطيع أن تكسب حب الجميع وليس البعض. .وليس من العيب أن تتراجع عن هذا الإعلان الدستوري، حتى لا تقذف بمصر إلى الهاوية، حيث إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تراجع عن قرارات اتخذها عام 1956، وأيضا الرئيس الراحل أنور السادات تراجع عن قرارات أخرى عام 1977. .أحب أن أصارحك، إن دعوتنا مازالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى القبول عند الكثير من أفراد الشعب، ولكن عليك ألا تكون سبباً في هدم هذه الدعوة. لا تيأس، فليس اليأس من أخلاق المسلمين وحقائق اليوم أحلام الأمس وأحلام اليوم حقائق الغد ومازال في الوقت متسع للرجوع إلى وحدة الصف ومازالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعبنا. (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص 56.ملاحظة:تم اقتباس أقوال الإمام حسن البنا في رسالة افتراضية للرئيس الدكتور محمد مرسي.