12 سبتمبر 2025
تسجيلحين انتهت إلى الفشل، محاولة تغيير النائب العام المصري عبر مخرج غير صراعي، بإصدار الرئيس محمد مرسي قرارا بتعيينه سفيرا لدى الفاتيكان، بات ضروريا وطبيعيا أن تجري الإقالة بطريقة لا يمكن التراجع عنها أو الطعن عليها، خاصة وأن التراجع في المحاولة الأولى جاء مصحوبا بعملية حشد وتعبئة ضد الرئاسة وقراراتها، بما شكل "ميلادا جديدا" لبؤرة الثورة المضادة. وتظهر الأحداث التي جرت مؤخرا، أن الإقدام على إصدار الإعلان الدستوري جاء وسط موازنة بين أزمتين، واختيار إحداهما. في الأزمة الأولى، التي لم تعد أبعادها سرا، كان كل ما تحقق من تغييرات بعد الثورة قد أصبح مهددا، إذ صار معلوما أن مجلس الشورى أصبح في طريقه للحل، وكذلك الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وأن هناك من كان يرتب لأزمة دستورية ولحالة انهيار للنظام من خلال الطعن على انتخابات الرئاسة هي الأخرى، تحت عناوين عديدة منها أن الانتخابات قد زورت لمصلحة الإخوان وأن الرئيس خرج من السجن بعد اقتحامه خلال ثورة يناير دون حكم قضائي ولا تحقيقات في عملية الاقتحام، وأنه ينتمي لجماعة محظورة لم توفق أوضاعها وفق قانون الجمعيات، ليصبح المنصب الوحيد الباقي في الدولة في مهب الريح. ووصل الحال، أن قيل بطريقة أو بأخرى أن إجراءات قد أعدت لعزل الرئيس قضائيا. وفي الأزمة الثانية،لاشك كان صانع القرار يدرك ما ستتجه إليه الأمور بعد إصداره إعلانا دستوريا جديدا، سواء لأن إقالة النائب العام نتيجتها صارت معروفة – من خلال المحاولة السابقة- أو لأن هناك قوى لا تزال لا تعترف حتى الآن بنتائج الانتخابات الرئاسية أو لأن الإعلام لا يزال واقعا تحت سيطرة القوى المعارضة. وبطبيعة الحال، لعلم صانع القرار أن قطع الطريق على ما وصف بأنه محاولة انقلابية -على الديمقراطية والثورة - سينتج عنه بالضرورة تحرك تلك القوى ودخولها في المواجهة فورا. هنا اختار صانع القرار –على ما يبدو-الدخول في الأزمة الثانية تفاديا للأزمة الأولى، مع الاستعداد لمواجهة المترتبات. فالملاحظ أن الإعلان الدستوري جاء صدوره مفاجئا أو على طريقة الصدمة، إذ كان الرئيس قد اجتمع مع رموز القوى السياسية المعارضة وناقشها في الكثير من القضايا خاصة أزمة الجمعية التأسيسية، دون أن يطرح عليهم أن إعلانا دستوريا قادما بعد أيام. وأن الإعلان جاء مفتوحا على إمكانية الوصول إلى تسوية بشأنه من خلال التراجع عن "التشدد " الوارد في الصلاحيات الممنوحة للرئيس. كما أن استعدادا لدعمه جماهيريا كان جاهزا، كما ظهر من تحرك جمهور من الإسلاميين إلى مقر النائب العام الجديد فور صدور قرار تعيينه. وإذ جرى صدور الإعلان فجأة، فقد جرى تحرك القوى الرافضة على نحو غير مخطط، وإن عادت لتنظيم صفوفها، فقد نسيت أن تحسب توازنات القوى، فكان طبيعيا أن ينجح خيار الرئيس بين الأزمتين. في توازنات القوى نحن أمام أربع قوى. أولها: الجمهور الإسلامي المنظم المنضبط الذي تمرس على حسم عمليات إظهار توازنات القوى منذ بداية الثورة. وثانيها: قوة النظام ممثلة في مؤسسة الرئاسة ومشروعيتها الجماهيرية ومؤسسات الدولة التي أصبحت تحت إدارة الرئيس فتغير ولاؤها على نحو ليس بالقليل، مقارنة بدورها خلال حكم المجلس العسكري. وثالثها: قوة الجمهور العام، الذي يمثل الاحتياطي الاستراتيجي لحسم أي صراع بين القوى السياسية. والرابعة: هي قوة الجمهور المنظم خلف المعارضة، وهو لم يثبت فعالية قوة الحشد منذ بداية الثورة. في ظل تلك الموازنة، أصبحت قوة الجمهور الإسلامي مضافة لقوة النظام السياسي ولم ينحاز الجمهور العام للمعارضين وتحالفهم. هذا ما حسم الأمر لمصلحة اختيار الرئيس، خاصة حين جرى تفادي تصعيد الأزمة مع السلطة القضائية بما منع احتشاد القضاة خلف الرافضين للإعلان الدستوري، وكذا حين جرى إلغاء تظاهرة التيارات الإسلامية لدعم الرئيس، حتى لا تساهم في توتير المجتمع واشتداد قلقه. غير أن هناك أمورا أخرى لا تزال عالقة. فهناك أن الأزمة شكلت أرضية صراعية ضد التصويت بالإيجاب على الدستور الجديد. وأن سهاما وجهت للحركة الإسلامية للتأثير في نتائجها التصويتية في الانتخابات التشريعية القادمة، وأن هناك حالة عنف ستظل قائمة في المجتمع.