18 سبتمبر 2025
تسجيلشهر نوفمبر من كل عام كما أيام كل شهور السنة، مليء بالأحداث الفلسطينية والتي في غالبيتها: حزينة ومؤلمة إلا القليل منها. وهي التي تصادف أحداثاً جيدة كان على رأسها هذا العام: انتصار المقاومة الفلسطينية في مواجهة العدوان الصهيوني على قطاع غزة والذي استمر 8 أيام. في 15 نوفمبر صادف ذكرى إشهار الدولة الفلسطينية في عام 1988 والتي أعلنها حينذاك المجلس الوطني الفلسطيني. هذه التي لم تر النور حتى هذه اللحظة. اليوم 29 نوفمبر هو ذكرى قرار التقسيم الذي صدر في عام 1947 ليكرّس إسرائيل حقيقة واقعة. اليوم أيضا، هو يوم التضامن الدولي مع شعبنا الفلسطيني وفيه ستصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة على عضوية المراقب لفلسطين فيها (هذا إذا لم تحدث تطورات دراماتيكية حول ذلك في اللحظة الأخيرة وقد اعتدنا على مثل هذه الأحداث). بالنسبة لقرار التقسيم، رفضه شعبنا آنذاك، يلوم البعض منا ذلك الرفض، ولو كنا في موقعهم لمارسنا نفس الرفض. نعم فلن يوافق فلسطيني واحد (سوى الأقلية) على زرع الدولة المغتصبة في أرضنا وفي قلب الوطن العربي. حتى لو وافقت القيادات الفلسطينية عام 1947 على قرار التقسيم. فلم يكن ممكناً إقامة الدولة الفلسطينية العربية آنذاك لأن: لا العصابات الصهيونية ولا إسرائيل ولا حليفتها الأمريكية كانوا سيسمحون بإقامة هذه الدولة. ومن يعتقد عكس ذلك فليقرأ الأدبيات الإسرائيلية ومذكرات القادة الصهاينة والوثائق في الأرشيف الإسرائيلي حول هذه القضية والتي تم الإفراج عنها بعد 40-50 سنة. نقول ذلك، مستشهدين بمثل: قرار الأمم المتحدة الذي نص على حق العودة اللاجئين الفلسطينيين لم يجر تنفيذه، لأن لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة أرادتا يوم ذاك تنفيذه. موافقة القيادات الفلسطينية آنذاك: كان سيعني تنازلاً مجانياً واعترافاً رسمياً بحق إسرائيل في التواجد على الأرض الفلسطينية. صحيح أن القيادة الفلسطينية المتنفذة اعترفت بإسرائيل وحل الدولتين، لكن إسرائيل كانت وما زالت وستظل ضد إقامة هذه الدولة المستقلة صاحبة السيادة. لذا كان التنازل بالفعل مجانياً، وتم الاعتراف بإسرائيل من دون ثمن. القيادة الفلسطينية المتنفذة في منظمة التحرير أوهمت نفسها بإمكانية جنوح إسرائيل للسلام وإمكانية إقامة دولة فلسطينية. هذه القيادة لم تحسن قراءة إسرائيل ولا الحركة الصهيونية، بنت إستراتيجيها الجديدة في الصراع مع العدو وفقاً لمعطيات غير موضوعية (مثلاً تصوروا: بأن المجتمع الدولي سيكون قادراً على فرض إقامة الدولة الفلسطينية). لم تنطلق القيادة الفلسطينية في اعترافها بإسرائيل كثمن لإقامة الدولة العتيدة من العامل الذاتي ومن موازين قوى تفرض على إسرائيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. بعد 20 عاماً من المفاوضات مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقية أوسلو، ماذا حصدت هذه القيادة؟ لم تحصد سوى الخيبة واستمرار المشروع الصهيوني في فرض حقائقه وتنكر العدو المطلق للحقوق الفلسطينية. الغريب أن القيادة المتنفذة الفلسطينية الحالية لم تستوعب الدرس ولا معطيات الواقع، لذا فهي تمعن في أخطائها من خلال الوهم المعشعش في أذهانها: بإمكانية موافقة إسرائيل على إقامة دولة مستقلة على كامل حدود 67، دولة كاملة السيادة. لذا قام رئيس السلطة محمود عباس بالتخلي طوعاً ومجانياً عن حق العودة وعن الحق في المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها، (وهي الأخيرة) الطريقة الوحيدة لإجبار إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. كافة التنازلات التي قدمتها القيادة الفلسطينية تمت بعكس إرادة شعبنا، الذي يرى ويريد حقه كاملاً وغير منقوص في كل أراضي فلسطين التاريخية. ندرك صعوبة تحقيق هذا الهدف من خلال الظروف وموازين القوى الحالية لكن.. هل ستنسحب هذه الظروف على المستقبل بشكل دائم؟ ألا يمكن أن تتغير الظروف مستقبلاً وكذلك موازين القوى؟ من كان يعتقد بانهيار القطب الثاني في العالم وهو الاتحاد السوفيتي في غضون سنوات قليلة؟ القيادة الفلسطينية المتنفذة الحالية ممعنة أيضاً في أخطائها بالمراهنة على موقف الولايات المتحدة وباراك أوباما. لم تستوعب درس الفعل الأمريكي الضاغط في مجلس الأمن قبل عام، لتعطيل قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. وفقاً لمقابلة صحيفة يديعوت أحرونوت مع عباس التي أجرتها الصحيفة المعروفة سميدار بيري كشف عباس أنه وبطلب من الرئيس أوباما قام بتأجيل طلب منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة تتخذ صفة المراقب لما بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية! لقد فاز أوباما لكنه وإدارته يضغطون على دول عديدة للتصويت ضد قبول فلسطين عضواً مراقباً في الجمعية العامة. هذه القيادة ربما لا تدرك حدود الموقف الأمريكي الذي يردد كالببغاء الحل والرؤى التي تطرحها إسرائيل، وهذه مصيبة، أو أنها تدرك (من أجل أهداف خاصة بها) وفي هذه الحالة المصيبة أعظم، هذه القيادة في كل الحالات تدفن رأسها في الرمل كالنعامة لتقول: لا أرى. في يوم ذكرى التضامن الدولي مع شعبنا، لو توجهنا بأسئلتنا إلى القياديين الفلسطينيين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة: هل هما متضامنتان مع نفسيهما؟ أليس من المفروض وقبل أن ندعو العالم إلى التضامن مع قضيتنا أن نتضامن نحن مع أنفسنا وننهي الانقسام؟ أليس من المفروض وقبل أن ندعو أمتنا العربية إلى بناء إستراتيجية جديدة للصراع مع العدو الصهيوني أن تقوم نحن ببناء هذه الإستراتيجية؟ ونمارس أيضا التكتيك السياسي الصحيح الذي يخدمها؟ ثم نقوم فيما بعد بمطالبة الأمة العربية بأن تحتشد حولها؟ أسئلة كثيرة من هذا القبيل في صميمها: هي مؤلمة ومحزنة كثيراً. نعم بالانقسام المشروع الوطني الفلسطيني تراجع، القضية الفلسطينية تراجعت خطوات كثيرة إلى الوراء. وسلطتا غزة ورام الله مصرتان على العزف المنفرد لكل منهما! أليس من الضرورة بمكان إجراء مراجعة سياسية شاملة لمرحلة ما بعد أوسلو والاستفادة من الأخطاء والخطايا الكثيرة التي تم اقترافها؟ أبعد هذا العدوان الصهيوني الأخير على القطاع؟ ألم يئن الأوان لعدم الوقوع في مطب الهدنة مع العدو الصهيوني؟ أليس من الضرورة بمكان إلغاء التنسيق الأمني مع هذا العدو؟ المطلوب إحياء المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها وعلى رأسها الكفاح المسلح. المطلوب التشبث بالثوابت الفلسطينية وقطع الاتصالات والمفاوضات مع العدو، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية لتكون مجالاً للجمع بين كافة الفصائل وألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وكل ذكرى للتضامن وأنتم بخير.