11 سبتمبر 2025

تسجيل

هذه يد يحبها الله

29 نوفمبر 2011

تحدث أحد الشباب ذو الخمسة عشر عاما عن زميله في المدرسة، والذي قال له: "إنني أتعلم لمجرد الحصول على الشهادة العلمية فقط، لكنني لن أعمل بأي وظيفة بعدها، فأنا لست في حاجة إلى المال الذي نملك منه الكثير". ثم عاد الشاب ليعقب على رأي زميله متسائلا: (حقا، فلماذا يعمل بوظيفة ولديه كل تلك الأموال)، فكان من الواضح تأثر هذا الشاب بأفكار زميله، والحق أن البعض لا يقدر قيمة العمل، ويعتبره نوعا من الذل والحاجة إلى المال فقط، ولست أعلم في هذا الوقت بالذات من أين جاء هذا الزميل بتلك الأفكار، في زمن العلم والعمل والمثابرة، فالعمل للجميع، وهو حياة ليس في ذلك شك، وأذكر أنني بعد أن تخرجت وعملت بإحدى المدارس، قالت إحدى قريباتي باستنكار وبأسلوب غير مباشر، لكنه كان مباشرا بالنسبة لي: (إن العمل لمن يحتاج فقط وليس لكل الناس)!، ومع أنني أبديت لها وجهة نظري، إلا أنني لم أشعر بأن ما قلته كان مقنعا بالنسبة لها، والمؤسف أن البعض ما زال يعتقد أن وجود المال يغني عن العمل، لكن الحقيقة أن للعمل في حياة الإنسان تأثيرا كبيرا، حيث تعطيه الحياة خلاله الخبرة والمعرفة والتجربة التي قد يجهلها طوال حياته، ففي إحدى السنوات السابقة، وخلال الإجازة الصيفية كنا نتجول في احدى المدن الأوروبية التي تتميز بجبالها الخضراء، فقمنا بإغلاق جهاز الملاحة لأننا قررنا أن نتجاهل تعليمات الطريق التي كان يصدرها، وسلكنا طرقا رائعة بين سهول الجبال الخضراء، ودخلنا في طريق ضيق نجهل نهايته، فانتهى بنا إلى بوابة منزل كبير، فجاءنا الرجل الذي كان يعمل على المحراث الآلي عندما رآنا نقف أمام البوابة، وظننا في البداية عندما رأيناه بملابس العمل والعرق يتصبب منه رغم برودة الجو، انه أحد العاملين بهذه المزرعة، لكنه جاء مرحبا ومتسائلا، فأجبناه بأننا كنا نتجول في هذا المكان الجميل، وأخذ يحدثنا بحفاوة ويسألنا من أين جئنا؟ وما هو وطننا؟ تحدثنا معه وأبدينا إعجابنا بمنزله، فقال لنا انه ينحدر من أسرة تنتمي لطبقة النبلاء، وان والده كان أحد أكبرهم، وانه ورث هذا المنزل عن والده، وخرجت زوجته من البوابة الكبيرة المفتوحة وانضمت إلينا وشاركتنا الأحاديث، بعد أن شرح لها زوجها باختصار عنا، وطلب منا مرحبا الدخول إلى ساحة منزله عبر هذه البوابة الكبيرة، ليرينا معمل الألبان الذي يملكه، وما أن دخلنا حتى ذهلنا عندما رأينا مجموعة من السيارات الفارهة الجديدة والقديمة ومنها الرياضية التي تباع بالملايين وقد اصطفت بجانب بعضها، فقال لنا: إنها سياراتي التي أتجول بها في المدينة بعد الاستمتاع بعملي الأساسي كموظف، ثم عملي الأمتع في المزرعة والذي أجني منه الكثير. والحقيقة أنني رأيت في ذلك الرجل الإنسان الذي يستطيع أن يخلق متعته من كل شيء، فقد جعلني أنظر نظرة إعجاب واحترام لرؤيته الراقية لأهمية العمل في حياة الإنسان، والذي كثير من الناس يفتقد هذه الرؤية له. فجميل أن يعيش الإنسان الحياة بكل جوانبها، ويخضع لكل دور في فتراتها، خاصة دور العمل والفترة الخاصة به، والتي يقضيها الإنسان في احتكاك مباشر مع الحياة والناس، يتأثر ويؤثر، يصطدم ويتعلم، ويثري نفسه بتجربته، وهو من يصقل الشخصية ويهيأها لكل مفاجآت الحياة. لا شك انه الكيان، مهما كان الإنسان يعيش حياة رغدة ومهما كان ما يملكه من المال، فمن يزج بنفسه في بعض مسؤوليات العمل الذي قد يكون خاصا يختاره بنفسه، هو من يختار أن يضيف لنفسه وحياته طعما وسعادة. ولا ننسى أن اليد التي تعمل هي اليد التي يحبها الله.. [email protected]