15 سبتمبر 2025
تسجيلحري بنا التطرق إلى موقف المشرع القطري، بعد أن بينا المعايير المتبعة لتحديد نطاق القانون التجاري في مقال سابق. فيثور التساؤل، ما هو المعيار المتبع من قبل المشرع القطري في تحديد نطاق القانون التجاري القطري؟ أو هل أخذ المشرع القطري بالمعيار الشخصي كضابط لتطبيق القانون التجاري؟ أم تبنى المعيار الموضوعي؟ بالرجوع إلى نصوص القانون التجاري، نرى أن المشرع قد تبنى العمل التجاري كمحور أو أساس تقوم عليه قواعد القانون التجاري، هذه قاعدة عامة؛ لأنه وضع اعتبار لصفة القائم بالعمل في حدود استثنائية، وعليه، فالقانون التجاري يسري على الأعمال التجارية حتى ولو كان القائم بهذا العمل غير التاجر. ندلل على هذا الرأي ببعض المواد: جاء نص المادة (1) من القانون التجاري على أن «تسري أحكام هذا القانون على التجار، وعلى جميع الأعمال التجارية التي يقوم بها أي شخص، ولو كان غير تاجر». ونجد من خلال قراءة النص السابق، أن المشرع تبنى المعيارين الشخصي والموضوعي معاً، إلا أننا نجد المادة نفسها تنص في آخرها «ولو كان غير تاجر»، فهي لم تعتد بصفة التاجر؛ لأنه لا أهمية لشخص القائم بالعمل، فكلهم سواء التاجر وغير التاجر. أيضًا، جاءت المادة (4)، ونصت على أن «تعد، بوجه خاص، أعمالًا تجارية، الأعمال الآتية: 1- شراء السلع وغيرها من المنقولات، أيًا كان نوعها، بقصد بيعها، سواء بيعت على حالتها أو بعد تهيئتها في صورة أخرى.2- شراء السلع وغيرها من المنقولات، أيًا كان نوعها، بقصد تأجيرها، أو استئجارها بقصد إعادة تأجيرها.3- البيع، أو الإيجار، أو إعادة التأجير للسلع المشتراة، أو المستأجرة على الوجه المبين فيما تقدم.4- شراء العقار، بقصد بيعه بحالته الأصلية أو بعد تجزئته، وبيع العقار الذي اشْتُرى بهذا القصد.5- تأسيس الشركات التجارية.6-مقاولات الأعمال». أما بمجرد أن يحترف الشخص هذه الأعمال فإنه يكتسب صفة التاجر، وتلك الصفة لا تولد إلا التزامات كالقيد في السجل وإمساك الدفاتر التجارية وإخضاعه للإفلاس. نتقدم قليلًا في المواد وصولًا إلى المادة (12/1)؛ حيث عرفت التاجر بأنه «يكون تاجرًا كل من يزاول باسمه عملًا تجاريًا، وهو حائز للأهلية الواجبة، ويتخذ من هذا العمل حرفة له». وعليه قد انقطع الشك باليقين، أن صفة التاجر تُكتسب من خلال مزاولة واحتراف العمل التجاري، هنا يعد العمل التجاري هو القاعدة التي نحدد من خلالها نطاق القانون، فالصفة التجارية تقع أولًا على العمل ثم يقوم العمل بمنح القائم عليها عند احترافه هذا العمل صفة التاجر. تأكيدًا على ذلك أيضًا، نصت المادة (14) على أنه «لا يعد تاجرًا من قام بمعاملة تجارية عارضة، دون أن يتخذ التجارة حرفة له، ومع ذلك تخضع المعاملة التجارية التي يقوم بها لأحكام هذا القانون»، وهو ما مفاده أن من يقوم بمعاملة تجارية بصورة عرضية، فان المعاملة تخضع لقواعد القانون التجاري، على الرغم من أن القائم بهذا العمل ليس بتاجر. إضافة إلى ما سبق، نصت المادة (16/1) على أنه «لا تُعد الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، والهيئات والمؤسسات العامة، ولا الجمعيات، ولا الأندية، من التجار. على أن المعاملات التجارية التي تقوم بها هذه الجهات تخضع لأحكام هذا القانون، إلا ما استثني بنص خاص». وقد ركز المشرع وأكد على أن المعاملات التجارية التي تقوم بها هذه الجهات هي من المعاملات التجارية، ولو لم تأخذ هذه الجهات صفة التاجر. فلو أخذ المشرع بالمعيار الشخصي، لوضع في عين الاعتبار صفة هذه الجهات واشترط من أجل أن تخضع للقانون التجاري أن تكتسب صفة التاجر. وتدليلًا على أن المعيار الموضوعي هو الأساس الذي يقوم عليه القانون، أكد المشرع القطري في المادة (3) «الأعمال التجارية بصفة عامة، هي الأعمال التي يقوم بها الشخص بقصد المضاربة ولو كان غير تاجر. والمضاربة هي تَوَخي الربح بطريقة تداول المعاملات». فإذا كان المرجو من العمل هو المضاربة، فان العمل يخضع لأحكام القانون التجاري دون اشتراط توافر صفة التاجر. وفي نفس الصدد، وإعمالًا لنص المادة (8/1)، فإن المشرع اعتبر الأعمال التي تقترن بالمعاملات التجارية أو مرتبطة بها، أو مسهلة لها، أو أعمالا يقوم بها التاجر لأغراض تجارية، جميعها أعمال تجارية، وهي كل الأعمال التجارية بالتبعية الموضوعية، فأصلها أعمال مدنية إلا أنها تفقد هذه الصفة وتصبح أعمالا تجارية إذا كانت مرتبطة أو مسهلة لأحد الأعمال التجارية الأصلية، وتماشيًا مع ما تم ذكره، فالمشرع يؤكد على أنه تبنى المعيار الموضوعي من خلال عدم قصر الأعمال التجارية بالتبعية على الحرف التجارية، بل جميع الأعمال المرتبطة والمسهلة للعمل التجاري. أخيرًا، جاءت المادة (10)، ونصت على أنه «إذا كان العقد تجاريًا بالنسبة إلى أحد المتعاقدين دون الآخر، سرت أحكام هذا القانون على التزامات كل منهما الناشئة عن هذا العقد...». فالقانون الواجب التطبيق هو القانون التجاري ولو كان أحد الأطراف شخصًا مدنيًا، فالمشرع اهتم بالعمال التجاري الذي من أجله تم إبرام هذا العقد.