14 سبتمبر 2025
تسجيليذهب الفقه الحديث إلى صعوبة الاعتماد كلياً على معياري المضاربة والتداول لتحديد تجارية العمل؛ إذ لا يصلح كلاهما بمفرده أساسًا لتحديد نطاق القانون التجاري، ويرى وجوب اللجوء بالقانون التجاري إلى طابعه الشخصي، فيحتكم إلى طريقة مزاولة العمل، وليس إلى طبيعته، ولذلك يرى الفقيه ريبير أن المعيار المناسب لتحديد مدنية أي عمل أو تجاريته، يكمن في معيار الحرفة. ويقصد بمعيار الحرفة الأعمال التي تقع بمناسبة مزاولة حرفة ما. وبالتالي يكون العمل تجاريًا إذا كان مرتبطاً أثناء القيام به بمزاولة حرفة تجارية. نضرب لذلك مثلًا لنفهم طبيعة هذا المعيار. عندما يبيع صاحب محل تجاري المنتجات التي لديه تكون عملية البيع حينئذ عملًا تجاريًا؛ لأن عملية البيع قد وقعت أثناء ممارسته حرفة تجارية. وبمفهوم المخالفة إذا قام الشخص نفسه في المثال السابق بإبرام عقد قرض لزواج ابنه أو اشترى منزلًا بغرض السكن، عُدّ هذا العمل مدنيًا؛ لاتصاله بحياته المدنية. وهو ما مفاده، أنه وحتى يمكن الفصل بأن العمل تجاري أو مدني، فإنه يتعين النظر إلى مدى اتصاله بحرفة تجارية من عدمه، فإذا كان العمل الذي يقوم به الشخص متصلًا بحرفة تجارية عد العمل تجاريًا، وإذا كان العمل الذي يقوم به الشخص متصلًا بحرفة مدنية، صار مدنيًا. فالحرفة التجارية هي من تسبغ على صاحبها صفة التاجر؛ ونتيجة لما سبق تستمد الأعمال التي يقوم بها التاجر الصفة التجارية ولكن بشرط تعلقها بحرفته التجارية. أي إذا كانت الحرفة التي يمارسها الشخص تجارية، اكتسبت جميع الأعمال التي تقع من خلالها صفة التجارية، أما إذا كانت الحرفة التي يمارسها الشخص مدنية، فجميع الأعمال التي تقع في نطاقها، تأخذ الصفة المدنية. وهو ما يفضي إلى عدم الاعتراف كلياً بنظرية الأعمال التجارية بالتبعية. وصاحب هذه النظرية يرى أن هناك أعمالًا تعد تجارية وإن وقعت من غير تاجر؛ وذلك بسبب طبيعتها، كعمليات البنوك، أو بسبب شكلها كالأوراق التجارية وتأسيس الشركات، إلا أنها توهم بأن من يقوم بها يكتسب صفة التاجر، وبالتالي يحق للغير إخضاعه لنطاق القانون التجاري. وعلى الرغم من أن نظرية الحرفة لها نصيب كبير من اهتمام المشرع؛ حيث توجد بعض الأعمال التي لا تكتسب الصفة التجارية إلا إذا تمت ممارستها بطريقة الاحتراف، إلا أن هذه النظرية يصيبها بعض العور والعيب؛ حيث إن التساؤل ما زال مطروحًا حول تحديد ماهية العمل التجاري! فالحرفة التجارية تعني مباشرة الشخص للأعمال التجارية بشكل مستمر ومعتاد. بالتالي يتعين علينا، حتى نبين مفهوم الحرفة، أن نعين بشكل مسبق ماهية الأعمال التجارية، فكأننا في حلقة مفرغة. نستنتج من ذلك أن تحديد الحرفة التجارية ليس بالأمر اليسير، فهو لا يقل صعوبة عن تحديد الأعمال التجارية. فضلًا عن كون هذا المعيار لا يفسر الأعمال التي تكتسب صفتها التجارية ولو وقعت لمرة واحدة، كالأوراق التجارية، علاوة على أن بعضًا من الحرف المدنية تتشابه مع الحرف التجارية، مما يصعب التفرقة بينهما. أخيرًا، ووفقًا للقانون القطري، تثبت الصفة التجارية أولًا للعمل ثم تنتقل إلى صاحبها وذلك عند احترافه للعمل، ومن هنا يمكن القول إن هذا المعيار لا يصلح للتشريعات التي تضع العمل التجاري أساسًا تقوم عليه قواعد القانون التجاري، بل يصلح في التشريعات التي يكون أساسها التاجر أو الحرفة. ولكن ذلك لا يعني جحد هذا المعيار واستبعاده. كل ما هناك أنه لا يمكن إفراده والتعويل عليه وحده، بل توجد هناك معايير أخرى يتكامل معها ويتعاضد في سبيل تحديد نطاق العمل التجاري.