14 سبتمبر 2025

تسجيل

الفقيه تالير ومعيار التداول

09 مايو 2024

يقصد بمعيار التداول العمليات التي تحرك المنتجات من مصدرها الأول إلى مستقرها الأخير. ولقد جاءت المواد (4)و(5)و(6) من القانون التجاري القطري بتطبيقات عدة على أعمال يمكن أن تستمد صفتها التجارية بناء على معيار التداول، كما سنبين لاحقًا، ومنه شراء السلع بقصد بيعها لاحقاً أو تأجيرها، كذلك عمليات البنوك، والوكالات التجارية، ونقل البضائع بحرًا أو برًا. وكان من أوائل من نادوا بهذا المعيار الفقيه هو تالير. ووفقًا لهذا المعيار، يعد العمل تجاريًا طالما كان المنتج في حالة حركة وغير راكد، في حين يعد العمل مدنيًا عندما يكون المنتج في حالة ركود وسكون؛ أي رحلة البضاعة من يد المنتج الأول إلى يد المستهلك الأخير، فعمل الحطاب هو قطع الأخشاب والأشجار، وما يبذله من مجهود بدني، واعتماده على فعل الطبيعة، واستخدام بعض الأدوات، يعد عملًا مدنيًا، ويظل بهذه الصورة حتى يبيع منتجاته -أي الأخشاب- إلى صانع قطع الأثاث أو إلى مصنع أثاث، ويقصد الأخير الشراء من أجل البيع، فيخرج المنتج هنا من حالة السكون إلى حالة الحركة والتداول، وبالتالي تكتسب هذه العملية الصفة التجارية، وقس على ذلك؛ حيث يتعاقد المصنع مع شركة لنقل البضائع إلى تاجر الجملة، ويتعاقد الأخير مع تاجر التجزئة إلى نحو ذلك، فتكتسب جميع العقود والعمليات المبرمة أثناء فترة الحركة الصفة التجارية، ويظل الأمر حتى يستقر المنتج في حالة سكون أي في يد المستهلك الأخير. وتقوم فكرة التداول على أساس اقتصادي؛ حيث تعد التجارة في القانون والاقتصاد عبارة عن تداول الثروات والنقود، وذلك إذا استثنينا الأعمال التجارية الشكلية (الأوراق التجارية والشركات)، فكل عمل يهدف إلى تحريك المنتجات ويساعد عليها، يعد عملًا ذا طبيعة تجارية. واستنادًا إلى ما سبق، نجد أن القانون التجاري يحكم السلع خلال فترة خروجها من يد المنتج لحين وصولها إلى يد المستهلك، أما في أثناء استقرارها في يد المنتج أو المستهلك، فهي راكدة، وتكون خاضعة للقانون المدني. وهذا المعيار ما هو إلا تعبير حقيقي وصادق عن التجارة وحركتها. فهو يعتمد أمراً مادياً ملموسًا - أي حركة المنتجات - وذلك بخلاف معيار المضاربة الذي يعتمد على أمر نفسي - نية تحقيق الربح - وهو يصعب التحقق منه، إلا أنه معيار رغم وضوحه، قد طالته أيادي النقد، ومنه فإن أعمال الاستخراج من باطن الأرض فهي وفقاً لهذا المعيار تعد مدنية لأنه لم يسبق تداولها على الرغم من أن القانون وبصريح النص قد عدها أعمالاً تجارية لتحقيق الربح فيها، وكذلك الجمعيات التعاونية، إذ وفقاً لهذا المعيار تعد تجارية لتداول السلع مع أنها لا تهدف منها الجمعيات إلى تحقيق الربح، لكنه صار معياراً ضيقاً؛ إذ إنه يلغي تجارية بعض الأعمال على الرغم من تجاريتها، وذلك وفقًا للقانون، مثل الفعل الضار الذي يقع من التاجر بمناسبة ممارسته تجارته، وعمل مكاتب الوكالات. وإذا كان معيار التداول يمثل جزءًا من الحقيقة؛ حيث تخضع كثيراً من الأعمال التجارية لفكرة التداول، إلا أنه لا يمثل الحقيقة كاملة، فهذا المعيار يأخذ في حكمه حكم معيار المضاربة الذي يمثل عنصرًا جوهريًا للعمل التجاري.