11 سبتمبر 2025
تسجيلفي مكان ناءٍ، وبعيداً عن أعين الإعلام كان الجزار يحد سكينه ويجهز كلاليبه منتظراً وصول أول خروف عربي من الزريبة المجاورة للمسلخ، في تلك اللحظة، كانت الخراف في الزريبة تعيش وتأكل وتشرب وكأنها قد جاءت إلى تلك الزريبة بضمان الخلود.. دخل الجزار فجأة إلى وسط الزريبة، فأدركت «الخرفان» بحسها الفطري أن الموت قادم لا محالة.. وقع الاختيار على أحد الخراف وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه إلى خارج الزريبة، ولكن ذلك الكبش كان فتياً في السن ذات بنية قوية وجسم ممتلئ وقرنين قويين، وقد شعر برهبة الحدث وهول الموقف وهو يقاد إلى الموت فنسي الوصية الرئيسية من دستور القطيع، وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور وكان قد سمعها قبل ساعات من كبار الخرفان في الزريبة ( حينما يقع عليك اختيار الجزار، فلا تقاوم فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك الجزار، ويعرض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر)!..فقال الكبش في نفسه: هذه وصية باطلة ودستور غبي لا ينطلي حتى على قطيع الخنازير.. فكيف بنا نحن الخراف ونحن أشرف وأطهر، فإذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف فلا أعتقد انها ستضرني، أما قولهم إن مقاومتي ستغضب الجزار وقد يقتل جميع الخرفان فهذا من الغباء فما جاء بنا هذا الجزار إلى هذه الزريبة إلا وقد أعد عدته ورسم خطته ليذبحنا واحداً بعد الآخر، فمقاومتي قد تفيد ولكنها بلا شك لن تضر، فانتفض ذلك الكبش انتفاضة الأسد الجسور، وفاجأ الجزار واستطاع ان يهرب من بين يديه ليدخل في وسط القطيع حيث نجح في الإفلات من الموت الذي كان ينتظره. لم يكترث الجزار بما حدث كثيراً، فالزريبة مكتظة بالخراف ولا داعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش الهارب فأمسك بخروف آخر وجره من رجليه وخرج به من الزريبة، كان الخروف الأخير مسالماً مستسلماً ولم يبد أية مقاومة إلا صوتاً خافتاً يودع فيه بقية القطيع فنال ذلك الخروف إعجاب جميع الخرفان في الزريبة وكانت جميعها تثني عليه بصوت مرتفع وتهتف باسمه، ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري، وهو يقول بسم الله والله أكبر، فخيم الصمت على الجميع وخاصة بعد ان وصلت رائحة الموت إلى الزريبة ولكنهم سرعان ما عادوا إلى أكلهم وشربهم مستسلمين لمصيرهم الذي يرفض أي أحد منهم مقاومته وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحداً بعد الآخر وفي كل مرة يأتي الجزار ليأخذ أحدهم لا تنسى بقية الخراف بأن تذكره بدستور القطيع لا ثم لا للمقاومة، وكان الجزار وتوفيرا للوقت والجهد إذا وجد خروفاً هادئاً مطيعاً يأخذ معه خروفاً آخر يذبحه معه وكل ما زاد عدد الخراف المستسلمة زاد طمع الجزار في أخذ عدد أكبر في المرة الواحدة حتى وصل به الحال أن يمسك خروفاً واحداً بيده وينادي خروفين آخرين أو ثلاثة أو أكثر لتسيرخلف هذا الخروف إلى المسلخ. وهو يقول: يالها من خراف مسالمة لم احترم خرافاً من قبل بقدر ما احترم هذه الخراف إنها فعلاً خراف تستحق الاحترام !.. وكان الجزار سابقاً يتجنب أن يذبح خروفاً أمام الخراف الأخرى حتى لا يثير غضبها، وخوفاً من أن تقوم بالقفز فوق سياج الزريبة والهرب بعيداً، ولكنه حينما رأى استسلامها المطلق أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته، ويضيع الكثير من الوقت وإن خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم ما يمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق فصار يجمع الخراف بجانب بعضها ويقوم بحد السكين مرة واحدة فقط ثم يقوم بسدحها وذبحها والأحياء منها تشاهد من سبقت إليهم سكين الجزار، ولكن كانت الوصية من دستور القطيع تقف حائلاً أمام أي أحد يحاول المقاومة أو الهروب «لا تقاوم». وفي مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار، وذهب لأخذ قسط من الراحة ليكمل في الصباح ما بدأه ذلك اليوم. كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت وإخراج بقية القطيع معه كانت الخراف تنظر إلى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوره ! ولم يكن ذلك الحاجز الخشبي قوياً فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب، ووجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة لم يكد يصدق عينيه فصاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح ولكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع بل كانوا جميعاً يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه ويرتعدون خوفاً من أن يكتشف الجزار ما حدث وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر إلى القطيع في انتظار قرارهم الأخير، فتحدث أفراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بأنفسهم من سكين الجزار، وجاء القرار النهائي بالاجماع مخيباً ومفاجئاً للكبش الشجاع... ففي صباح اليوم التالي جاء الجزار إلى الزريبة ليكمل عمله فكانت المفاجأة مذهلة.. سياج الزريبة مكسور ولكن القطيع موجود داخل الزريبة ولم يهرب منه أحد !.. ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفاً ميتاً وكان جسده مثخنا بالجراح وكأنه تعرض للنطح !.. فنظر إليه ليعرف حقيقة ما حدث وما هي إلا لحظات حتى صاح الجزار: يا الله انه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني يوم أمس!.. فنظرت الخراف إلى الجزار بعيون الأمل ونظرات الاعتزاز والفخر بما فعلته مع ذلك الخروف « الإرهابي» الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع ويعرض حياتهم للخطر !.. كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف حتى أنه صار يحدث القطيع بكلمات الإعجاب والثناء (أيها القطيع كم أنا فخور بكم، وكم يزيد احترامي في كل مرة أتعامل معكم، ولذا فأنا لدي خبر سعيد سيسركم جميعاً وذلك تقديراً مني لتعاونكم المنقطع النظير فبداية من هذا الصباح لن أقدم على سحب أي واحد منكم إلى المسلخ بالقوة كما كنت أفعل سابقاً فقد اكتشفت انني كنت قاسياً عليكم وإن ذلك يجرح كرامتكم فكل ما عليكم فعله يا خرافي الأعزاء أن تنظروا إلى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ فإذا لم تروها معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ وعليه فليأت الواحد منكم بعد الآخر وتجنبوا التزاحم على أبواب المسلخ، وفي الختام لا أنسى أن أشيد بدستوركم العظيم (لا للمقاومة) !. [email protected] @ebtesam777