18 سبتمبر 2025

تسجيل

أزمة أم لحظة استئناف الإنسان؟!

29 أكتوبر 2018

من الواضح الآن أن الحصار لم يَعد أزمة بالمفهوم الدقيق لهذه الكلمة. يبدو أنه أقرب إلى حركة التاريخ المتواصلة نحو الحرية، وانعطافة ضرورية للانتقال من مرحلة إلى أخرى. أعتقد أن ربيع الإنسان الخليجي قد بدأ مع الحصار، كان التاريخ قبل الحصار تاريخ الدولة الكليانية، أصبح اليوم تاريخ الإنسان. تمظهرات الحصار ذات أطياف شتى، كلها تبرز الاتجاه نحو تاريخ الإنسان في هذه المنطقة، آخرها حتى الآن زوبعة اغتيال خاشقجي، وهي تدل بشكل لا يمكن إنكاره على بداية تاريخ الإنسان في هذه المنطقة، وبداية تفكك وانصهار الدولة بشكلها الكلياني كذلك فيها. كان التفكير قبل الحصار في الدولة كونها أداة تسلّط، الآن بدأ تفكير العالم حول مصير الإنسان في هذه المنطقة من العالم، فلولا الحصار لما كان الاغتيال، ولما أصبح الإنسان قضية في هذا الجزء من العالم. هذا هو منطق التاريخ المنطلق نحو الحرية في كل بقاع العالم، مهما حاولت بعض الدول سد المنافذ والأبواب وبناء السواتر الحديدية، فلا يجب أن نفكر في الحصار كأزمة، بل يجب أن نفكر فيه كسياق واتجاه لحركة التاريخ نحو بلوغه لأهدافه. انظر ماذا فعل الحصار في دول الحصار؟ ناهيك عن الدولة المُحاصرة، لتدرك أنه حركة تاريخ بأدوات بشرية. التاريخ يبحث عن الأغبياء لكي يكرس مسيرته واستمراريته، لأن الأذكياء يفهمون حركته مسبقاً واتجاهه. انظر كيف مُلئت سجون دول الحصار بأصحاب الرأي، وأصحاب الفكر، والمعتدلين من شيوخ الدين في جميع دول الحصار بلا استثناء. انظر كيف فعل في الشعب القطري المُحاصر وكيف أبرز إرادة من فولاذ لم تكن لتظهر لولاه. انظر كيف أفرز مساحة للرأي والرأي الآخر في هذا المجتمع لم يكن هناك متسع لإظهارها قبل ذلك. الحصار ليس أزمة إلا في ساعته الأولى، أما بعد ذلك فهو استئناف للإنسان بعد فترة غياب طويلة. الحصار ليس أزمة إلا في بياناته الرسمية فقط أما بعد ذلك فهو انكشاف عن بنية الدولة الكليانية البشعة المتحكمة في هذه البقعة من العالم. وبقدر ما هي كليانية استبدادية بقدر ما كانت إجراءاتها بشعة ضد الغير بل وضد شعبها. ما يجري في السعودية والإمارات والبحرين من اعتقالات على الهوية، بعد ارتكابهم لجريمة الحصار لشعب شقيق في لحظة غباء تاريخي، شكل من أشكال البشاعة التي يحركها التاريخ في اتجاهه حول حرية الإنسان، مهما كانت محاولات هذه الأنظمة للهروب من استحقاقاتها التاريخية. لولا الحصار لكان خاشقجي كاتباً عادياً في سياق الصحافة السعودية، لولا الحصار وتمرده على أوامر الكتابة ضد قطر وحصارها دونما اقتناع منه بذلك لما لوحق واغتيل مكراً ومكيدة، ليصبح سياقاً إنسانياً يتدفق ليغرق معاقل الاستبداد ويوقظ بنيان الطغاة. الحصار لم يعد أزمة، لا لا لا إنه سياق استئناف بلا شك، استئناف للإنسان في هذه المنطقة من العالم بعد أن أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا. [email protected]