13 سبتمبر 2025

تسجيل

دُقَّ ناقوس الخطر

29 أكتوبر 2017

قال سمو الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت، في مجلس الأمة الكويتي: "إن مجلس التعاون الخليجي هو شمعة الأمل في النفق العربي، وانهياره هو تصدّع لآخر معاقل العمل المشترك". جاء ذلك في افتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الخامس عشر لمجلس الأمة الكويتي، الذي عُقد الأسبوع الماضي. وأضاف سموه: "إن التاريخ والأجيال لن تسامح من يقول كلمة واحدة تساهم في تأجيج الخلاف الخليجي". وشدّد على أن الأزمة سائرة نحو التطور بقوله: "إن الأزمة الخليجية – خلافاً لتمنياتنا وآمالنا– تحمل في طياتها احتمالات التطور، ويجب أن نكون على وعي كامل بمخاطر التصعيد، بما يعنيه من تداعيات إقليمية ودولية تعود بالضرر على الخليج وشعوبه". هذا الكلام لعميد الدبلوماسية العربية وأمير دولة الكويت لم يأت من فراغ، ولم يكن مصادفة، بل جاء عبر تجربة مريرة خاضها سموه في محاولة للملمةِ الأزمة الخليجية، وفك الحصار عن الشعب القطري، والذي ضربته الدول الشقيقة، المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية. وكانت ملامح الأمير بعد لقائه ملكَ المملكة العربية السعودية سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، لا تبدو طبيعية، خصوصاً وأن اللقاء بين الرجلين لم يستمر أكثر من 20 دقيقة، على خلاف اللقاءات المعتادة بين البلدين. وكان سمو أمير دولة الكويت، رجل الوساطة في الأزمة الخليجية قد أعلن في أمريكا قبل فترة أن هناك نية لشن هجوم عسكري على دولة قطر، "وتمكنا من وقفه"!. وإذا ما ربطنا هذه العبارة مع قول سموه "احتمالات التطور، ويجب أن نكون على وعي كامل بمخاطر التصعيد، بما يعنيه من تداعيات إقليمية ودولية تعود بالضرر على الخليج وشعوبه"، فإن الأمر يحتاج فعلاً إلى وعي بمخاطر هذه الأزمة، ولربما سمع الأمير شيئاً جديداً لم يشأ أن يُصرح به في هذه الفترة الحرجة!! وهذا مبعث الخطر!؟ إذن هنالك من يريد إخماد شمعة مجلس التعاون في المنطقة، بحيث يحل الظلام في النفق، وتتصدع آمال كل الخليجيين، وقد لا أتشاءمُ إن قلت: هنالك من يريد تحويل منطقة الخليج الآمنة إلى يمن أخرى، أو سوريا أخرى، أو صومال أخرى! وهذا الكلام ليس مبالغة أو ضرباً من أضغاث أحلام!. وعلى الخيرين من أبناء المنطقة أن يقولوا كلمتهم في ظل تنامي وتيرة المؤامرات، والتي تخرج من كل حدب وصوب ضد دول مجلس التعاون. ولكن التصعيد الأخير جاء من داخل مجلس التعاون للأسف، وبدأ بحصار الشعب القطري، وتنغيص حياته، وتشتيت الأُسر الخليجية، والتعرض للحرمات والممتلكات؛ عبر إعلام لم يراعِ النسب والأصول وصلات الدم والقربى والمصير المشترك. نحن الآن نتحدث عن تطور الأزمة الخليجية عسكرياً!. هكذا بالكلام المكشوف غير المنطق، دون مواربة، لأن نبرة "اليأس" في حديث سمو أمير دولة الكويت رغم جهوده التي استمرت أكثر من خمسة شهور، تُدلل على هذا المفهوم، وأن دول الحصار عازمة على تغيير النظام في قطر بالقوة، ودون وجل أو التزام بالقوانين الدولية، وأعراف الجوار وأخلاقيات عرب الخليج. إن القانون الدولي يُجرّم تغيّر الأنظمة بالقوة، وضد إرادة الشعوب. كما أن ميثاق الأمم المتحدة يحظر تعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر، فماذا يريد "عرابو" الفوضى في دول الحصار؟. وأين صوت العقل لدى ملوكهم وأمرائهم ورؤسائهم؟ فهل من المعقول أن تحدث كارثة جديدة في الخليج كما حدث عام 1990؟ وهل ستُصبَّ اللعنات على من سيقوم بهذه الكارثة، كما صُبت على صدام حسين عندما التهمت قواته الكويت في ساعات قلائل؟ وهل من حق أحد أن "يمحو" بلد وشعب من على الخريطة الدولية، ومصادرة حق أهلها في العيش ضمن النطاق السياسي الذي يرتضيه؟ أنا لا أقول هذا الكلام عن خوف، فكل القطريين قد تعاهدوا على الدفاع عن بلدهم وحماية الشرعية الممثلة في حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد أل ثاني، أمير البلاد المفدى، وكل قطري ومقيم سوف يتحمل المسؤولية الوطنية، لكن التلاعب بأقدار الشعوب – بهذه الصورة الهولاكية- لا يقبلها المنطق، ولا الشعوب المتحضرة ولا الأمم المتحدة. ونوجه هنا كلمة واضحة للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بأن تتحمل الولايات المتحدة مسؤولياتها قبل فوات الأوان! وأن يمنع خلق مستنقع للفوضى في الخليج، حتى لا يتأثر العالم بتعثر إمدادات النفط والغاز، وحتى لا تحدث تبعات تمسُّ البشر في منطقة عُرفت بأنها من المناطق الأكثر أمناً في العالم. نعم، لن يحل المشكلة، إزاء التطرف في العناد، ورفض دعوات دولة قطر للحوار، وجهود أمير دولة الكويت، وزعماء العالم المتحضر، إلا الولايات المتحدة، لأن الأزمة إن انفلتت، فلسوف تدخل دهاليز عميقة وملتوية، تماماً كما حدث مع اليمن، عندما أوهمنا المتحدث باسم التحالف (أحمد عسيري) بأن الأمر لن يستغرق أكثر من أسبوعين وتُحسم القضية؟ يجب أن يشعر أهل الحصار أن اللعب بأقدار الشعوب ليس من شيم العرب، ولا من قيم الإسلام الذي يعتدون به، ولا الحكومات المتحضرة. ونحن في قطر قلنا كلمتنا بأننا سوف ندافع عن وطننا مهما كانت الظروف، ولن نقبل بتغيّر القيادة، ولن نتجاوب مع دعوات "الباطل" التي تريد النَيل من كرامة الشعب القطري. أكرر مرة أخرى: يجب أن تقول الولايات المتحدة كلمتها وبسرعة لنزع فتيل هذه الأزمة، كي تعود الأمور كما كانت عليه قبل الخامس من يونيو 2017، وإلا فإن العالم بأسرة سوف يلوم الولايات المتحدة، تماماً كما لام الرئيس السابق (باراك أوباما) عندما لم يحسم الأمر في سوريا، عندما كانت البوارج الأمريكية قبالة السواحل السورية، ولو أطلقت عدة صواريخ نحو دمشق لسقط النظام، ووفر على الملايين من السوريين العيش في الشتات. ولقد سُجلت وصمة عار في جبين (أوباما) لأنه لم يختلف قراره عن قرارات كل المتخاذلين عن نصرة الملهوف، وتغليب حق الشعوب في العيش بكرامة. خذوا الحكمة من أمير دولة الكويت، فقد دقَّ ناقوس الخطر، وتداعوا إلى كلمة السواء، وإلا فإن التاريخ لن يرحمكم، والأجيال القادمة سوف تذكركم كما تذكر جنيكيزخان، وهولاكو، وهتلر، وبينوشيه وبوكاسا وماركوس، من الذين ركبوا عناد القوة ولم يلتفتوا إلى صوت العقل.