16 سبتمبر 2025

تسجيل

يهود معادون للصهيونية.. لكنهم يظلون يهودا!

29 أكتوبر 2015

على هامش ما يجري من انتفاضة ثالثة باسلة لشعبنا الفلسطيني في الجزء المحتل من وطننا عام 1967. وتضامن أهلنا معهم في الجزء المحتل عام 1948. أعدت قراءة كتاب رابكين "يهود معادون للصهيونية". الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، في عام 2006، واحد من أهم الكتب، التي تتناول موضوعاً رئيساً، جوهرياً على الصعيد المعرفي وهو: التناقض الحتمي القائم، تاريخياً وراهناً، حاضراً، ومستقبلاً، بين الصهيونية وتعبيرها المادي: إٍسرائيل، من جهة... وبين اليهودية، من جهة أخرى، استناداً إلى الدراسات التاريخية واللاهوتية. أهمية الكتاب تنبع أيضاً من أهمية إدراك الصراع العربي – الصهيوني، ليس من قبل المهتمين والباحثين والمثقفين العرب فحسب، وإنما أيضاً من قبل المواطن العربي حيثما كان. ألّف الكتاب اليهودي الديانة (الروسي الأصل) والكندي الجنسية، الدكتور ياكوف رابكن، الذي يشغل حالياً منصب أستاذ التاريخ في جامعة مونتريال، وكان قد هاجر إليها في عام 1973، إبّان الحقبة السوفيتية.المؤلف باحث مشهور على هذا الصعيد، ما كتبه من أبحاث قبل هجرته، وجّه إليه الأنظار مبكراً سواء في الأوساط الثقافية والسياسية (السوفيتية) المعادية للصهيونية، وقد رأيت فيه إضافة ثقافية وسياسية هامة إلى تيارها، بغض النظر عن تناقضه الأيديولوجي الكبير معها، أو في الأوساط الصهيونية المحلية (في الاتحاد السوفيتي) والأخرى العالمية، والدوائر والدول الغربية المساندة لها ولإسرائيل، وقد رأت فيه معادياً، عدواً للسامية. وبذلك فإن هجرته من موسكو حينها أثارت جدلاً كبيراً في كل تلك الأوساط. انطلاقاً من الأبعاد الفكرية السياسية، التي يجري تقييم الصهيونية وفقاً لمرتكزاتها، الأمر الذي زاد في تسليط الأضواء على هذا الباحث، وانتشار كتاباته عالمياً.من مقدمتيه للطبعتين: العبرية والفرنسية، لكتابه، مروراً بتمهيده، وصولاً إلى نهاية الفصل السابع، يتناول المؤلف، موضوعه الرئيس المعنون، ولكن من زوايا مختلفة، ارتباطاً بالحقائق والأسانيد من خلال المراجع التاريخية والراهنة الكثيرة، ومن خلال تتبع التناقض الوجوبي بين اليهودية والصهيونية، ومسيرة دولة إسرائيل، والتداعيات المستقبلية لكل ذلك، ضمن سياق سردي، يحاول جاهداً الابتعاد عن تضمين وجهة نظره الشخصية فيما يتناوله من موضوعات، في إطار من الاعتناق النظري والإيمان بما يطرح. فالصهيونية ليست ديانة، بل حركة سياسية استمدت إلهامها من النزعة القومية الأوروبية في القرن التاسع عشر، وهي قصيرة العمر بالمعنى الاستراتيجي، وفقاً لأحد الباحثين الإسرائيليين، لذا، "فإنها تشكل خطراً على إسرائيل، أكبر من خطر العرب عليها". من نقدي على المؤلف ما يلي:مع إقرار المؤلف بالطابع الاستعماري للحركة الصهيونية، فإنه لم يربط بينها وبين المشروع الأوروبي الاستعماري للمنطقة، والذي وُضعت لبناته الأولى في عام 1907، من خلال اتفاق كامبل – بنرمان بين العديد من الدول الأوروبية. وهو الذي ينص في أحد بنوده على إيجاد قوة دائمة حليفة في فلسطين، للعمل على تقسيم الوطن العربي، الأمر الذي وحّد بين موقفي الحركة الصهيونية وتلك الدول الأوروبية، في هدف استعماري واحد.انطلاقاً من النقطة السابقة، لم تكن فلسطين خياراً وحيداً لإنشاء "الوطن القومي اليهودي" على أرضها، بل كانت خياراً من بين خيارات أخرى عديدة: الأرجنتين، كندا، موزامبيق، الكونغو، أوغندا، جنوب إفريقيا، وغيرها... مما يؤكد مسألتين: الأولى، زيف مقولة "الارتباط الروحي" لليهود بفلسطين، أما المسألة الثانية، فلو أخذنا الأرجنتين كبلد كان مرشحاً لإقامة دولة صهيونية على أراضيه، فذلك بسبب أن الحركة الصهيونية امتلكت استثمارات عديدة فيها، الأمر الذي يربط وبشكل حتمي بين البعدين: السياسي والاقتصادي للحركة الصهيونية، في رؤيتها لهدف إنشاء دولتها. البعد الثاني لم يتطرق إليه المؤلف، رغم الشواهد العديدة، التي تؤكد دقة وواقعية هذا البعد انطلاقاً لتداعياته، على بعض ما سنطرحه تالياً. أخذ المؤلف التاريخ اليهودي في البلدان المختلفة التي عاشوا (ولا يزالون) فيها، كـ "وحدة واحدة" وكاستمرار تاريخي ليهود الماضي، الأمر الذي ينفيه الكاتب اليهودي إبراهام ليون في كتابه القيم: "إمبراطورية الخزر وميراثها – القبيلة الثالثة عشرة"، الذي لا يجد أية علاقة (بالاستناد إلى التاريخ) بين اليهود القدماء والحاليين. مثل هذه الاستناجات خلص إليها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي، والمؤرخ اليهودي غوستاف لوبون، والكاتب الإسرائيلي إسرائيل شاحاك، والمفكر الفرنسي روجيه غارودي، وغيرهم.إن لجوء الكاتب إلى وصم عمليات المقاومة الفلسطينية بـ "الإرهاب"، من مساواة مع ما يسميه العنف أو القوة، وأحياناً الإرهاب، في وصف الممارسات الإسرائيلية ضدهم! الأمر الذي ينم عن فهم مغلوط وعدم تمييز بين المعتدين والمعتدي عليهم. الصهيونية، وتعبيرها المادي إسرائيل، اجتازت منذ وقت، ما قبل إنشائها، مروراً بتشكيلها، وصولاً إلى اللحظة الراهنة، الدرجات الأولى في سُلّم القوة (إن جاز التعبير)، وانتقلت مباشرة إلى الممارسة النازية والفاشية ضد الفلسطينيين والعرب، وتحارب كل من ينتقد سياسات إسرائيل، أو يشكك في "المسلمات" أو الأكاذيب التي تحاول فرضها، على الصعيد العالمي.كثيرة هي المسائل الأخرى، الواردة في الكتاب، والتي هي بحاجة إلى تصحيح المفاهيم من حولها، مثل: الارتباط بين إسرائيل واليهودية والعبرية،وأصل العداء للسامية كان الحاخامات اليهود هم من اخترعوها. إضافة إلى المفهوم الضيق للمؤلف في فهم: المناهضة اليهودية للصهيونية، والهدف الإسرائيلي من إنشاء الدولة اليهودية النقية، وتأثيرات ذلك على مفهوم: من هو اليهودي؟ هذا السؤال، الذي ما زال يحتل في إسرائيل جانباً كبيراً من الجدل. وكذلك: التمييز بين اليهود الشرقيين والغربيين، والتمييز العنصري تجاه الفلسطينيين فيها، وآلية زوال دولة إسرائيل.. وأخرى غيرها.جملة القول أن اليهودي يظل يهوديا باستثناء القليلين منهم.