29 أكتوبر 2025
تسجيلفي 28 أكتوبر 1973 رحل طه حسين الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، والذي كانت قضية "التربية" هي شغله الشاغل طوال عمره، وتتحدد أهداف التربية عند "طه حُسين" في ضوء الأهداف العامة التي تسعى مصر إلى تحقيقها، وهذه الأهداف العامة يحددها "طه حُسين" في "مستقبل الثقافة في مصر" من واقع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت تسود في مصر.وبوجه عام تتلخص تلك الظروف في الاحتلال المسيطر على حريات البلاد، والمسيطر على اقتصادياتها، وفي الملك الذي كان يحكم من خلال حكومات قصيرة العمر، معظمها من الأعيان والإقطاعيين؛ مما أفرز نظاماً اجتماعياً يقوم على نظام الطبقات، الذي يستعلي فيه بعض الناس على بعض، ويمتاز فيه بعض الناس على بعض؛ مما يدفع أصحاب الثراء، العريض والجاه الضخم إلى الاستعلاء في الأرض والإشفاق من أن يختلط أبناؤهم بأبناء الفقراء، فهم يسعون إلى المدارس الأجنبية يُلحقون بها أبناءهم.وقد اشتد هجوم "طه حُسين" على النظام الاجتماعي والسياسي في مصر، وبخاصة خلال فترة حكم إسماعيل صدقي (1930 – 1934) حيث ساءت الأوضاع ووصلت إلى درجة لم تصل إليها من قبل، وزاد هذا الهجوم اشتداداً ما تعرض له هو شخصياً من ظلم في تلك الفترة نتيجة تمسكه باستقلال الجامعة.ولم تكد الغمّة تنجلي بتولي توفيق نسيم رئاسة الوزارة في ديسمبر 1934 حتى عاد طه حسين إلى الجامعة وانتخب سنة 1936عميداً لكلية الآداب، وعادت إليه مكانته المرموقة، وفي العام نفسه توقّع مصر معاهدة التحالف مع إنجلترا وتنص المعاهدة على استقلال مصر، ثم تنجح الوزارة الوفدية التي وقعت المعاهدة في إلغاء الامتيازات الأجنبية، وتتقدم مصر المستقلة لعضوية عصبة الأمم لتبدأ عهداً قوامه الحرية والاستقلال.وتناول "طه حُسين" للحياة الوطنية الجديدة يستند إلى المُدركات الفلسفية الاجتماعية التاريخية التي كونها في دراسته للتاريخ السياسي والاجتماعي لبلاد اليونان، وفي اهتمامه بنظام الإثينيين في مصر، وفي دراسته لفلسفة "ابن خلدون" الاجتماعية.إن إضفاء البُعد الاجتماعي في تفسير وقائع التاريخ الذي طبّقه "طه حُسين" في دراسته لعصر صدر الإسلام في "الفتنة الكبرى" وفي دراسته "لأبي العلاء المعرّي" يعطي ضوءاً يتيح شيئاً من وضوح الرؤية بالنسبة للأهداف التي رأى طه حسين أن مصر تسعى إليها بعد حصولها على الاستقلال 1936 بتوقيع المعاهدة. فهو حين يحدد هذه الأهداف ينظر إلى الواقع الاجتماعي نفس نظرته إلى الواقع السياسي الاقتصادي.وبصفة عامة يمكن إجمال الأهداف العامة لمصر من وجهة نظره في:(1) الحرية الخارجية وقوامها الاستقلال الصحيح، والقوة التي تحوط هذا الاستقلال.(2) الحرية الداخلية؛ وقوامها النظام الديمقراطي.(3) الاستقلال الاقتصادي؛ لحماية الثروات الوطنية.(4) الاستقلال العلمي والنفي والأدبي؛ الذي يجعلنا نقف على قدم المساواة مع الأوربي، نفهم الحياة كما يفهمها، ونرى الأشياء كما يراها. وإذا كانت هذه هي الأهداف العامة للمجتمع، فإن أهداف التربية يجب أن تكون خاضعة في تحديدها للإطار العام الذي تحدده هذه الأهداف، وعلى هذا الأساس فإن "طه حُسين" قبل أن يتحدث عن هذا النوع أو ذاك من أنواع التعليم يحدد -في البداية- أغراض هذا النوع، وإلام يهدف؟، وكيف يُتاح له أن يحقق أغراضه؟.فالتعليم الأولي وهو بداية السلّم التعليمي، وسيلة العيش لأنه يمكّن الفرد من أن يعرف نفسه وبيئته الطبيعية والوطنية والإنسانية، وأن يتزيّد من هذه المعرفة، وأن يلائم بين حاجته وطاقته، وما يحيط به من البيئات والظروف.هذا والتعليم يجب على الدولة الديمقراطية أن تكفُلُه؛ لأغراض عدّة:(1) إن هذا التعليم الأولي أيسر وسيلة يجب أن تكون في يد الفرد؛ حتى يستطيع أن يعيش.(2) إن هذا التعليم أيسر وسيلة يجب أن تكون في يد الدولة نفسها؛ لتكوين الوحدة الوطنية وإشعار الأمة بحقها في الوجود المستقل الحر.(3) إن هذا التعليم هو الوسيلة الوحيدة في يد الدولة؛ حَـتى تمكن الأمة من البقاء، والاستمرار لأنها بهذا التعليم تضمن وحدة التراث الوطني الذي ينبغي نقله من جيل إلى جيل.ويعترف "طه حُسين" في حديثه عن التعليم العام بأن الدولة كانت تقصد به إلى إعداد الموظفين للدواوين والمكاتب، ويذهب إلى أن هذا الأمر "ليس إلا نتيجة من نتائج السيطرة الإنجليزية على شئون مصر عامة، وعلى شئون التعليم بنوع خاص". ثم يناقش "طه حُسين" بداية نشر التعليم في عهد "محمد علي" ليصل إلى أن الحاجات العملية اليومية، والضرورات العادية (مثل وجود الحاكم وحاجة الجيش) كانت وراء إنشاء التعليم الحديث المنظم في مصر.وفي حديثه عن التعليم العالي يحدد "طه حُسين" هدفين رئيسيين، هما:(1) المعرفة الخالصة بمعنى تهذيب العقل، وإزالة الجهل، أو طلب العلم لذات العلم.(2) شغل المناصب الممتازة.وهو يرى أن رجل الشارع يستطيع أن يحدد هذين الهدفين للتعليم العالي دون عناء، ويستطيع الباحث بعد هذا التحديد للأهداف التي تسعى إليها التربية والتعليم في رأي "طه حُسين" يستطيع الزعم بأن مُجمل هذه الأهداف لا يخرج عما نادى به رجال التربية المتخصصون على اختلاف مشاربهم، وتباين ثقافاتهم وانتماءاتهم، مما يدفع إلى القول: بأن طه حسين كان على بينة من كتابات رجال التربية.