15 سبتمبر 2025

تسجيل

شكراً سُمّو الأمير: جَعَلْتَ الجغْرافيا بنتَ التّاريخ

29 أكتوبر 2012

يقولون: "إنّ السياسة هي بنت التاريخ، والتاريخ هو ابن الجغرافيا، والجغرافيا لا تتغيّر"، هي مقولة خالدة تتردد دائما في أروقة الدبلوماسية، وفى تحليل أبعاد جغرافية الدول في السياسات العالمية. ولكنّها اليوم ليست كذلك.. فرغم الحقائق الجغرافية والمكانية وعلم المساحات والأحجام والكتل المتعارف عليها، بت أرى أن المقولات السائدة دوما غير خالدة، ولسنا نسلم قبل بها افيونا يخّدر الشعوب، ويثنيها عن مكانها ومكانتها وصناعة التاريخ، بل هي متغيرة بتغير التاريخ.. كَيْفَ؟ اليوم وبعد كسر أمير قطر لحصار غزة المفروض ظلماً من الكيان الغاشم، أجزم بأن تلك المنهجية ستتغير. فلم تعد الجغرافيا هي المسير الرئيس للتاريخ ولم تعد الأحجام في العلوم الطبيعية هي الفيصل في تحديد ثقل المادة، أعني بها هنا "الدول"، بل هي الكتلة!!، كما لم تعد الممالك التي لا تغيب عنها الشمس هي تلك الامبراطوريات التي أخضعت جغرافياً جزراً وقارات ودولاً بل وشعوباً تحت تاجها "كمستعمرات" إجبارياً، توجت وقتها باسم شريف هي "الاستكشافات" أو "الكشوف الجغرافية" بما فيها من مغالطات وتزوير.. في كل مبادرة دولية بارزة لقطر يتندّر الناقدون أو الحاسدون أو الحاقدون بأمرين: أولا: حــَـجـْـــم قـــطـــــر "المساحة"... ولكن هذه هي قطر وهي تثبت للعالم؛ أن التاريخ لا يصنع بالجغرافيا فقط بل ان الرؤية الثاقبة والمبادرات الشجاعة هي المحرك الرئيس لنفوذ لا ينكره احد، كما لا ينكر ضوء الشمس، ضوء ينساب بأمجاد دون استعمار او تحرك جغرافي سافر، صحّ به أن يكون خبر مبادرة الأمير ـ كما أشارت إذاعة مونت كارلو في نشرتها الاخبارية بعيد الزيارة التاريخية ـ هي التي غطت وتصدرت اخبار أضخم حدثين عالميين اولهما تأخر "هدنة الأضحى" في سوريا، وثانيها أخبار المناظرة الثالثة في الانتخابات الأمريكية. هذا فضلا عن كونها اصبحت الموضوع الرئيس في افتتاحيات عدد من الصحف الدولية وتقارير الأخبار التلفزيونية. لَمَ لا؟ وقد احتلّ الحدث وصانعُه، موقعه، ووقته عالمياً الأولوية في التساؤلات الصحفية الخمس في علم صناعة الإعلام في تفسير "مَنْ؟ وماذا؟ وأينَ؟ ومتى؟ وكيفَ؟ ومن ثمّ فليسهر الخلق جرّا الإجابة عن سؤال "لماذا؟" وليختصموا.. الأمر الثاني: ثــَرْوَة قـــطـــر.. يقلل البعض من دور قطر بما تضخه من دعم، ولكن ليست سياسة دولة قطر كقوة دولية نافذة "سياسة دفتر شيكات" كما وصفتها صحيفة لاكغروا الفرنسية، وإلا كان يكفي التوقيع على شيكات لدعم الإعمار لتصل دفاترها كاملة مصدقة "سالمة غانمة" الى مواقعها وبتغطية كاملة، دون مشقة المخاطرة ووعثاء السفر. هذا ولو كانت الثروة والدعم المالي هما المعول الرئيس في صناعة التاريخ، لسبقنا لروح هذه المبادرة الجسور في أخطر الظروف غيرنا، ممن يملك من النفط والغاز وغيرها ثروات لا تنضب، ويملك في الوقت ذاته فوق حجم مساحة قطر أدوات منّ الله عليه بها من مقومات "الجغرافيا"، التي هي هِبة الطبيعة كما يقولون. وباختصار نقولها: ليست السياسة حجم دولة، كما إنها ليست أنواطاً ترسل بالعملة الصعبة، وقطر ليست ابنة 11،437 كيلومتر مربع، بل إنها بمواقفها الدولية الجمّة، وآخرها كسر حصار غزة جعلت الجغرافيا بنت التاريخ.. وسطّرت سياسة المستقبل، فحق للعمل الشريف أن يُمدح وحق لنا أن نفخر. وبعد تسلم أميرنا لمفاتيح بيوت من هُجِّروا قسراً من أراضيهم منذ عام 1948، باتت أعيننا — اليوم أكثر من قبل — تشرَئِبّ الى مفاتيح بيت المقدس، وكلنا أمل في "الطريق إلى القدس" على بعد خطوات: "وفي ذلك فَليتنافَس المُتنافِسونْ".