16 سبتمبر 2025
تسجيلعنوان مقالي هذا الأسبوع جـمـلة لطالما ارتبطت في أذهاننا ببعض الـرسـائـل الـتي تـأتـيـنـا عـلى الهاتف المحمول وتشير إلى أن الـرسـالـة غـير مُـكـتـمـلـة، وعلى ما يبدو أن الأمر أعاد ذاكرتكم لحقبةٍ زمنيةٍ ارتبطت بتلك الهواتف التي لم تكن تدعمها تكنولوجيا اليوم المتطورة، لكن ماذا عن النص المفقود في أمورنا الحياتية الأخرى؟ فنحن نلهث دوماً خلف الكمال وننفض كل صباح حلم الأمس لنبدأ بحلمٍ جديدٍ آخر وننظر إلى حياتنا كل يوم لنفتش في جوانبها عن نواقص الصورة دون أن ندري أن الثمن هو أعمارٌ وأوقاتٌ خالية من البهجة والسكينة والرضا. فالكمال هو صوت المستبد بداخلك والذي يتحدث بلغة الأسود أو الأبيض، كل شيء أو لا شيء. لا يعترف بالحلول الوسطى أو المناطق الرمادية والمنطق يقول إن الركض وراء المثالية يؤدي بالفعل إلى تحقيق هذه المثالية، لكن في الغالب يكون العكس هو الصحيح، إن السعي للكمال شيء مكلف هذا إن اتفقنا - من الأساس - على صورة هذا الكمال ووحدته فهو يُحيل الحياة إلى سجن فسعي الإنسان إلى أن يكون أفضل أب أو أفضل موظف أو أفضل حبيب يؤدي به إلى مُراكمة سلسلة من الإحباطات التي هو في غنى عنها وضرورة أن يكون المرء هو الأفضل دائما هي فكرة تجتاح عصرنا الحاضر ولعل الكثير من المشكلات التي نواجهها اليوم ما هي إلا إفرازات الركض وراء الكمال والنظر إلى الحياة من زاوية واحدة والإنسان الباحث عن الكمال لا يستفيد من النجاح لأنه يكون دائما غير راضٍ عما يحققه فبمجرد بلوغه الهدف يسعى إلى هدف آخر ولا يستمتع بما حققه من نتائج في الهدف السابق، كما أن العيش في العالم المثالي يدفع الإنسان أن يتنكر الألم والحقائق الواقعية بالتالي لا يعتبر الألم والأحداث المؤلمة جزءا طبيعيا من الحياة وهذا يسبب له الإحباط. ولأن دوماً هناك «جزء من النص مفقود» في الرسائل التي كانت تصل عبر الوارد في هواتفنا المحمولة القديمة فهذا لا يعني أن نتبنى الفكرة في حياتنا عموماً، فالبقاء في المنتصف ليس أمراً ثابتاً في الحياة لكن قد يكون مؤقتاً، والنصف ليس كافياً في الحياة فليس بمقدورك أن تتخذ نصف قرار لأنه من الصعب أن يسير الفرد ويحدد اتجاهاته من دون معرفة رغباته وميوله واحتياجاته ولن يُتقبل منك بأن تأتي بأنصاف الحلول، والشعور بالنقص دوماً سمة إنسانية ثابتة لا تتغير أبداً، فقد تكون للإنسان أمنية أو حلمٌ يسعى لتحقيقه في مرحلة ما فما إن يتحقق هذا الحلم حتى ينتاب النفس إحساس جديد بالنقص الذي يتمثل في رغبة أو حلم جديد يسعى إلى تحقيقه فدائما هناك شيء ناقص في منظومة حياتنا، فكل منا يبحث عن شيء ينقصه، ربما حكاية حب حقيقية أو حلم لم يتحقق بعد أو أمنية تأخرت كثيراً أو حنين للغائبين أو ضحكة من القلب أو فرحة غير مشوبة بالآه وقد يبدو لنا أن الشيء الناقص مؤلم لنظل نبحث حتى تعود البسمة المفقودة على شفاه أيامنا بالسعي والأمل في رحمة من لا يغفل ولا ينام، وحتماً ستتكامل منظومة حياتنا يوما ما مهما اشتدت العواصف والتحديات. إذاً، النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز، لأنك لست نصف إنسان، أنت إنسان، وجدت لتعيش الحياة وليس لتعيش نصف حياة، وعليك أن تستحضر في هذه اللحظة لعبة البازل أو أحجية الصور المقطوعة التي تُعد من الألعاب الذهنية والتي تعتمد على التركيز لفترات طويلة والدقة في الفصل بين الألوان وتسمى أيضاً بالأحجية الصينية وتتطلب حلًا وبمجرد الوصول إلى هذا الحل تكون اللعبة قد انتهت ولا تصلح للتكرار أو اللعب مرة ثانيةً ويجدها البعض وسيلةً للمساعده على التحلي بالصبر وقوة التركيز، في حين أن ضياع قطعة واحدة قد يعني تلف الصورة كاملةً أو انتهاءها إلى العدم وبالتالي باتت كالنص الذي فقد جزءًا منه، لذلك ليس أسوأ من أن تصلنا رسالة جزء من النص مفقود، تماما كعدم وضوح المعنى في الحديث وعدم إيصال الفكرة في النقاش والمماطلة في اتخاذ قرارٍ ما والتسويف في الأمور وترك الباب أحياناً لا مفتوحاً ولا مغلقا كنوعٍ من التلصص وترك التوقعات بلا إيضاح. لا بأس أن تتطلع قارئي العزيز للكمال، في حين أننا أحياناً نَعمدُ للمقارنةِ بيننا وبين أولئك الأشخاص النَّاجحين، أو رُبَّما الخارقين للعادة، الذين حققَّوا ما لم نصل نحن بعد إلى تحقيقه، الذين تفوقوا في مجالاتهم في حين لم نصل نحن إلى جُزءٍ ممّا وصلوا إليه، والذين رُزِقوا ما لم نُرزق نحن به، والذين لديهم الكثير من العلاقات والكثير من المحبين والأصدقاء من حولهم لتبدأ المقارنات المتعبة حقاً والتي إذا ما جلسنا لنعددها سيبدو أن الجميع سعيد وناجح ومحبوب ومن الممكن أن تتوقف حياة أحدهم بسبب اليأسِ والإحباط الذي سيُرسلُه عقلُه الباطن إليه وفي ذلك يقول علماءُ النفس: إِنَّ مقارنة الفرد لذاته مع الآخرين تُؤدي إلى انخفاض تقديره الذاتي وبالتالي نظرة تشاؤمية للمستقبل، ولأنه من الظُّلم بحقِّ نفسك أن تقارن قوى الآخرين بنقاِط ضعفك، وتنسى أنَّك ربما أفضلُ منهم بكثير في أمور أخرى عليك أن تذكر نقاط قوتك دائماً، إنجازاتك وما حقَّقته خلال السنوات الأخيرة وتذكَّر ما تملكه أنت ولا يملكه الآخرون. أخيراً: يُقال إن المرء توَّاقٌ إلى ما لم ينل.. لذلك سيبقى جزء من النص مفقود «بسبب ما في عقلك».