10 سبتمبر 2025
تسجيلاستوقفتني العبارة الشهيرة التي تقول: «فاقد الشيء لا يعطيه» لأصدها وأختلف معها بقوة معتبرةً إياها هراء تفشى في ثقافتنا، ولكن في نظرة تمعنٍ على واقعنا المغطى بالغمامة السوداء على عقولنا اقف بتعجب وحزن شديدين وأقول مندهشة: مهلا! إني أرى تلك المقولة متجسدة في واقعٍ لا حول له ولا قوة، فهذه العبارة تناقلتها الأجيال وأصبحت تُطلقها على الأمر الخطأ أو الصّواب، وكأنها مقولة مسلّمٌ بها متجاهلين أنّ لكلّ قاعدة شواذ ولا شيء مطلقا في الكون لنكتشف أنّ الشّخص الفاقد لشيء في حياته يكون أكثر الأشخاص تقديماً وعطاءً له لأنّه ذاق مرارة الحرمان منه. للأسف كثيراً ما يتمسك البعض بعددٍ من الأمثلة والحكم ويؤمن بها وكأنها صحيحة تماماً وغير قابلة للنقاش أو التعديل، فلو حُرم الإنسان من العطف في صغره لا يعني ذلك أنّه غير قادرٍ على منح أطفاله العطف والحنان بل هو الأقدر على ذلك لأنّ العطف صفة وضعها الله تعالى في النّفس البشريّة سواء حرم الإنسان من العطف أم مُنِحه، أمّا إن خلا قلب الإنسان من الرّأفة والشّعور بالغير فلن يستطيع في هذه الحالة منح غيره هذه الرّأفة، لأنّه أساساً لا يمتلكها. وفي معرض بحثي عن قناعات من حولي بهذه الجملة وجدت انها مجحفة وغير صحيحة في جوهرها للأشخاص الذين يؤمنون بأن النصائح الذهبية هي دائماً وليدة التجارب التي يمر بها المرء ومن خاض تجربة فهو أدرى بعواقب تلك التجربة وأعلم بنتائجها إذا كانت مرت بالظروف نفسها، حتى تولّدت لديّ قناعةٌ مفادها ان فاقد الشيء يعطيه بشغفٍ كبير لأنه اعلم بمرارة فقده، وبالتالي هو احنّ من يعطيه بالشكل الذي يتمنى شخصياً ان يحصل عليه، وانا هنا لا افرض عليك الرأي قارئي العزيز بل اسلط الضوء على زاويةٍ قد لا تُرى دوماً وكأن بعض العبارات توارثناها وباتت مسلّمات حياتية. تمعّن قليلاً ولا تُصدّق أنّ فاقد الشيء لا يُعطيه فحولنا النماذج الكثيرة التي تكسر خشونة هذه الجملة وتسلّطها على معادن الكثيرين حولنا مقدمة للنصف الآخر من النماذج الكثيرة تلك ذريعةً للتسلط وعذراً للوصول للمبتغى بطرقٍ ملتويةٍ او مجحفة، فمثلاً قد يكون أكثر الناس عدلاً ذلك الذي كوتهُ نيران الظلم، وأفضل من يدلّك على طريق النجاح هو الغارق بفشله، وذاك المبتلى بالعُقم أشدّ رحمة بالأطفال من أمهاتهم أحيانا، وذلك الذي لا يملك إلا قوت يومه ان طلبته حاجةً اقتسم وإياك ما يملك ومن علّم نفسه وتجرع مرارة التجارب لا يبخل عليك ان طلبت منه المشورة او مساعدتك للوقوف على اولى خطوات المعرفة، بالمقابل تجد العكس وليس لعدم القدرة او لشح المقدرة بل لان من يملك الكثير «وليس القصد مادياً» يرى في العطاء خسارةً له، فهل ما زلت ترى ان فاقد الشيء فعلاً لا يعطيه؟. ● أخيراً: لا يخدعوك بقولهم: “فاقد الشيء لا يعطيه، فهو يعطيه ببذخ وبالشكل الذي تمنَّى أن يحصل عليه واكثر، بل الأكثر أن من يمنحك النور قد تملأه العتمة،، إلى هنا اكتفي.