19 سبتمبر 2025

تسجيل

إشــكاليـــة الانتخاب فـــي مجــتـمـــع منــجـــز

29 سبتمبر 2021

الفرق بين التعامل مع الواقع وبناء الواقع نفسه يحدد، في اعتقادي، وظيفة الثقافة في المجتمع، المجتمع الذي بنى نفسه يختلف عن المجتمع المُنجز، الأول شارك التفاعل في بنائه بينما الآخر اكتفى النقد بالإشارة إلى عثراته ومشاكله وتخبطاته، وأقصد بالثقافة هنا حركة المجتمع ورؤيته حول حاضره ومستقبله. الثقافة في الأول حركة بنيوية، بينما في الآخر هي بنية فوقية قد تتعمق إذا ما سمح لها وقد تكتفي بوضعها الفوقي وتؤرشف في أدبيات المجتمع لا غير. يدخل اليوم مجتمعنا عصر الانتخاب لأول مجلس تشريعي في تاريخ البلاد بينما يتصدر الموقف المثقف التقليدي الحكومي وتتصدر كذلك الصحافة الحكومية والقنوات الحكومية المشهد الإعلامي وهي بناءات منجزة سابقاً، بينما فكرة الانتخاب تعني التغير والتجدد باستمرار، لذلك فإن مفهوم المثقف العضوي بعد هذا الإنجاز المتمثل في انتخاب مجلس تشريعي يجب أن يحل محل مفهوم المثقف الحكومي، بحيث تصبح الثقافة حركة عضوية داخل المجلس ونكون بصدد مجتمع متحرك باستمرار نحو غاياته وأهدافه. الفرق المفترض أن يحدث بعد قيام المجلس المنتخب أن يسري في جميع أوصال المجتمع لا يستثني أحدا ويصبح فوق وعلى الجميع. الدستور لا القبيلة ولا الطائفة على أمل أن نضع معادلة معقولة بينه وبين الفكرة التي أسس عليها قانون الانتخاب في أقرب فرصة ممكنة. المواطن في مرحلة ما قبل المجلس ضيف يحتاج رعاية، بينما بعده لبنة من لبنات المجتمع يحميه الدستور وتصون حقوقه القوانين. كذلك الوضع بالنسبة للصحافة والكُتاب وللإعلام عموماً وللحريات بشكل أوسع عيون وآذان وضمير المجتمع. الثقافة في المجتمع بناء وهيكل وليست مجرد رداء قد يلزم وقد لا يلزم. الثروة وسيلة لتوفير رفاهية وأمن وسلامة الوطن والمواطن وليست غاية وهدفاً. هذه بعض تصورات لما يجب أن تكون عليه عملية العبور من مرحلة ما قبل المجلس المنتخب إلى مرحلة ما بعده. من المفترض أن يتم التغيير بطريقة نقدية ذاتية ومراجعات وإصلاح بأثر رجعي ما يمكن إصلاحه على اعتبار أن الوجود الأصل للوطن وليس المواطن سوى امتداد لهذا الوجود، فاستمراره يتطلب تطور الأصل بما يفيض به على امتداده وظله. في اعتقادي أن حدث الانتخابات الحرة لهيئة تشريعية في أي بلد هي بمثابة استقلال ثان بعد استقلاله من براثن الاستعمار الخارجي، لذلك كان حرصي كبيراً على نقد التجربة بإخلاص ومحبة. سأصفق لها بلا شك ولكن بعد أن أسلط الضوء على نواقصها، ولن أفعل كما فعل الكثير التحاقاً على حساب وجودهم وعقولهم. من واجب المواطن المخلص لوطنه ولقيادته أن يكون أميناً في إسداء النصيحة مسؤولية أمام الله قبل البشر وإن لم يمتطِ صهوة حصان الترشيح ولم يركب فرس الرهان. مجتمعنا منجز مسبقاً ولكن لا يمنع ذلك من العمل على فتح قوسين الإنجاز نحو إنجاز مستمر، أسأل الله أن يلهمنا من أمرنا رشدا. [email protected]